مقالات كتّاب

ملفات مهمة.. حصيلة زيارة الدبيبة إلى تركيا


بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص لصحيفة سراي بوست

على خلفية المتغيرات المتلاحقة التي تشهدها الأزمة الليبية وتداعياتها السياسية والأمنية التي تشمل العديد من الجهات الفاعلة في المنطقة والعالم، تعمل “أنقرة” بكل نشاط في ظل ضغوط زمنية شديدة على تثبيت موقعها كطرف فاعل مشارك في حل الأزمة تداركا لنشوء أي موقف يهدد مصالحها بشكل مباشر مع الحفاظ على استمرارية مكتسباتها المستقبلية.
ولعل التغيير السريع الذي طرأ على السياسة العامة لتركيا مؤخرا وأسلوبها في إدارة الملف الليبي والمبني على التكتم والسرية، وعنصر المفاجأة، والإجراءات الفورية والسريعة في التعامل مع المستجدات، جاء في ظرف تفرض فيه الأزمة الليبية نفسها بكل عناصرها من ضيق للوقت، ووسط تدخلات دولية متزايدة من خصومها تعرض المصالح التركية في هذا البلد الأفريقي إلى الخطر بالإضافة إلى حقيقة أن المسار العسكري في المفاوضات الليبية ما زال يشكل مصدرا للقلق والمخاوف بسبب احتمال تسببه بتعثر العملية السياسية والانتقال السلمي عبر بوابة الانتخابات العامة المقررة في ديسمبر/كانون الأول المقبل خصوصا أن هناك من يقول أنه رغم التزام السلطة التنفيذية الليبية الجديدة بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة في الموعد المُحدد، فإن الغموض مازال يلف هذا الاستحقاق.
وعلى هذا الأساس، جاءت الزيارة المفاجئة لرئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة إلى “اسطنبول” قبل أشهر قليلة ولقاءه الطويل مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات اللبيبة المرتقبة لتطرح سلسلة من علامات الاستفهام حول نوع التعاون والدعم خلال الفترة المقبلة بين البلدين في ظل تقاطع وجهات نظر الدول واختلافها ما بين داعم لحكومة “الوفاق” ومؤيد للواء المتقاعد خليفة حفتر.
هذه الزيارة الحساسة في توقيتها جاءت بهدف الحصول على ضمان لدعم أبرز الفرقاء الدوليين لحالة الاستقرار السياسي والعسكري التي تعيشها ليبيا حاليا، والتأكيد على أن السلطات الجديدة تقف على مسافة واحدة من كل أطراف الأزمة الليبية في الداخل والخارج، كما وتحمل أيضا في طياتها رسالة ليبية مبشرة لأنقرة بأنها تسير في الطريق الصحيح لا سيما أنها تؤكد وفي كل مناسبة وأمام كل الأصوات التي تتحدث عن دور عسكري لها في ليبيا أن وجودها هناك هو في إطار قانوني وسياسي، ولا يحق لأحد أن يطالبها بالخروج إلا من باب الحكومة الليبية.
صحيح أن ما تم إعلانه أمام وسائل الإعلام، ركزّ مسائل روتينية على غرار أن الرئيس إردوغان بحث مع رئيس الوزراء الليبي دبيبة سبل تعزيز العلاقات بين البلدين، وعودة الشركات التركية للعمل في ليبيا، وتسهيل إجراءات التأشيرة، ومتابعة الملفات العالقة وإلى اتفاقات المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي الليبي-التركي، وسبل التعاون في الملف الصحي لكن بالتأكيد ما خفي كان أكبر بكثير.
فحسب التسريبات الإعلامية، تلقت حكومة الدبيبة تأكيدات من “أنقرة” بمواصلة القوات التركية تقديم التدريب والاستشارات وفقا للاتفاقيات الأمنية والعسكرية المبرمة مع حكومة “الوفاق” السابقة. في المقابل، حصل الرئيس إردوغان على رسائل طمأنة من الدبيبة مفادها أن الحكومة الجديدة ستعمل بتوازن مع جميع الشركاء الدوليين والإقليميين في إطار المصلحة المشتركة.
لكل ما بين هذا وذلك، سربّ الإعلام أيضا خبرا مهما مفاده أن الدبيبة طلب من إردوغان وضع جدول زمني لانسحاب القوات التركية من ليبيا، لكن على ما يبدو أن تركيا لا زالت مصرة على أنها لن تسحب قواتها من غرب ليبيا إلا إذا انسحبت كل القوات الأجنبية الأخرى من كافة الأراضي الليبية.. وهو نفس التأكيد الذي جاء على لسان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قبل أيام.
ولم يعد مخفيا أن تركيا تسعى بكل جهدها لإعادة التموضع في الساحة الليبية بما يضمن استمرار نفوذها في البلاد ويرسخ وجودها كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة في القرار الدولي خاصة بعد أن وضعت كل ثقلها وراء حكومة “الوفاق” التي كانت تمثل البوابة الرئيسية لأنقرة بالتواجد على الساحة الليبية. بالتالي، يرى الخبراء أن التحركات التركية المتزايدة على الساحة الليبية خلال العامين الماضيين هدفها الانخراط الفعلي في إدارة الملف الليبي بدلا من ترك الأمر بيد لاعبين إقليميين ودوليين آخرين يسعون لتفتيت ليبيا من أجل مصالحهم الخاصة وإضعاف النفوذ التركي في المنطقة.

المصادر

المصادر
1 خاص لصحيفة سراي بوست