
بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشـأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص سراي بوست
تظهر التحركات والمناورات الدبلوماسية التركية الأخيرة وجود تحولات وانعطافات مهمة وكثيرة في سياسة “أنقرة” باتجاه دول الجوار خصوصاً، وعلى المستوى الإقليمي عموماً، وذلك بعد سنوات طويلة من الخلافات والاختلافات، قد يكون أهمها على الإطلاق هو أن تركيا باتت مستعدة تماماً لفتح صفحة جديدة مع الدول المنافسة لها في الشرق الأوسط مثل مصر والسعودية والإمارات بل وحتى مع أعدائها التاريخيين مثل إسرائيل وأرمينيا، وهو بطبيعة الحال ما سيكون له مردود إيجابي على تعزيز موقعها الاستراتيجي ويعطي متنفساً مهماً لاقتصادها بالدرجة الأولى.
هذا الانفتاح التركي الذي اتضحت معالمه أكثر في الأشهر الأخيرة، يسير بخطوات فيها محاذير ثلاث “بطيئة، تدريجية، ومحسوبة بدقة عالية”، ولعل هذا ما يفسر دخول المخابرات التركية على خط المساعي الدبلوماسية لتصبح عنصراً هاماً ومكملاً في السياسة الخارجية لا سيما في الأزمة السورية، والعلاقات مع روسيا، والتطورات حول إيران، والمفاوضات مع مصر، وكذلك المباحثات مع الإمارات إلى جانب دول أخرى مثل أرمينيا وإسرائيل.
بالنسبة لمرحلة التطبيع مع مصر وإسرائيل، فهي لا زالت في بدايتها وبحاجة لدفع أكبر من أجواء الثقة حتى تتبلور صورتها تماماً. هناك تسريبات إعلامية أنه في حال سارت الأمور كما هو مخطط، فإن تركيا قد ترسل سفيرها إلى “القاهرة” في شهر أبريل/نيسان أو مايو/أيار المقبل، في المقابل من الممكن أن تعيد السفير إلى “تل أبيب” في يوليو/تموز أو أغسطس/آب المقبل بناء على قرارات ستتخذها إسرائيل في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وبانتظار عملية التطبيع الكامل مع “القاهرة” و”تل أبيب”، قطعت “أنقرة” شوطاً كبيراً في إصلاح وإعادة ترتيب علاقاتها مع الإمارات بالزيارات الرفيعة المستوى التي تم تبادلها والاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين مؤخراً والتي ستُتوج بزيارة سيقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى “أبوظبي” في شهر فبراير/شباط المقبل، بعد خلافات وتوترات استمرت لعدة سنوات بين البلدين.
أما مع السعودية، فهناك ادعاءات تناقلتها وسائل إعلام محلية ودولية من أن قطر تتوسط حاليا لمحادثات بين “أنقرة” و”الرياض” وعقد اجتماع بين الرئيس التركي أردوغان وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضمن موجة من الدبلوماسية الجديدة التي ستعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط لا سيما في ظل مخاوف دول الإقليم من انهيار المحادثات النووية الإيرانية، وتراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة خاصة مع تركيز “واشنطن” جل اهتمامها على المنافسة الحامية مع الصين.
لا يخفى على أحد أن السياسات والقرارات الفردية والسيادية التي انتهجتها تركيا في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة سببت الكثير من الأزمات مع دول المنطقة بفعل ما يؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه “تحريض ومؤامرات خارجية ضد تركيا بغية دفعها إلى الاستسلام في جميع المجالات بدءا من المالية وصولا إلى السياسية”.
وعليه، يبدو واضحاً أن حكومة أردوغان قررت التوجه إلى “الخطة البديلة” لإفشال هذه المؤامرات باستراتيجية “القوة الناعمة” وإعادة نسج خيوط التقارب مع جميع الدول التي ترى بأنها ضرورية لضخ الهدوء والاستقرار في عروق تركيا والمنطقة عموماً. وبحسب التسريبات، من المتوقع أن يجري وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو خلال عام 2022 جولات مكثفة تطال مناطق عدة في الشرق الأوسط.
ومع هذه الاستراتيجية الجديدة، يبدو أن العام المقبل سيكون أفضل بكثير على تركيا مما سبقه من أعوام كانت شديدة الوطأة والقسوة سياسياً وأعمقها اقتصادياً أدت إلى زيادة الضغط الشعبي على الحكومة بسبب تراجع الليرة بشكل كبير أمام سلة العملات الأخرى، وما رافقها من غلاء معيشي.
وما يزيد من أجواء التفاؤل بالعام الجديد أن الانفتاح سيطال أيضاً أرمينيا وهي التي ظلت لعقود طويلة تندرج في عداد “الأعداء اللدودين” لتركيا، ولاحقا سينسحب التطبيع إلى مواقع وساحات أخرى مثل إسرائيل واليونان وقبرص الجنوبية أيضا حيث يُعدّ الرئيس أردوغان العدة بكل ما استطاع من قوة لإرساء مرحلة جديدة من الاستقرار بداخل تركيا وجوارها. وعليه، يمكن القول أن تركيا تبني حالياً علاقاتها واستراتيجيتها مع دول المنطقة وفق مبدأ (رابح–رابح) وعلى قاعدة المصالح المتبادلة في الشرق الأوسط، وهو
ما يتطلب بالتأكيد علاقات جيدة مع مصر وإسرائيل ويبقى الرهان على مدى تأثير هذه السياسة التركية على موقف الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
والمراقب لكل هذه التطورات المتسارعة، يرى أن الولايات المتحدة في تصريحاتها الأخيرة تبدو مباركة للخطوات التركية الجديدة خصوصاً على صعيد المصالحة مع أرمينيا وإسرائيل باعتبار أنها ستكون على حساب “موسكو” المنزعجة كثيراً من سياسات “أنقرة” الاستقلالية الجديدة، والتي ستفقدها الكثير من مقومات المساومة خصوصاً في أرمينيا وأوكرانيا مقابل إضافة عناصر قوة جديدة لتركيا إقليمياً ودولياً خصوصاً أن هذه الخطوات المباركة أمريكياً ستصب دون أدنى شك في صالح تطبيع العلاقات مع “واشنطن” لتضع حد للشرور الأمريكية على اقتصاد تركيا.
المصادر
↑1 | خاص سراي بوست |
---|