مقالات كتّاب

ماذا يدور في كواليس العلاقات التركية-الإسرائيلية؟

طه عودة

بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية[1]خاص-سراي بوست

لم تكن زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى تركيا عادية بكل المقاييس، وذلك في ضوء ما سبقها وخلفها من ضجة سياسية وإعلامية لبلدين كانا يعيشان منذ ما يزيد عن عقدين على خط الشد والجذب، وحالة من التنافر الدبلوماسي والسياسي، والحروب الكلامية، وطرد متبادل للسفراء، لتنتقل الأمور بين ليلة وضحاها إلى بلدين حريصين على تعزيز العلاقات إلى أعلى المستويات.

صحيح أن الزيارة الإسرائيلية التاريخية انتهت لكن أصدءاها ما زالت مستمرة داخلياً وحتى دوليا إذ بينما أشادت بها دول غربية وأوروبية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، فقد حصدت بالمقابل انتقادات كثيرة من جهات إسلامية وفلسطينية على اعتبار أن تركيا كانت حتى الأمس القريب ترفض أي تعامل أو زيارات من الجانب الإسرائيلي بل هي نفسها كانت من أشد المنتقدين لقيام بعض الدول العربية مثل الإمارات بالتطبيع مع إسرائيل، وهو ما يستحضر بطبيعة الحال السؤال الأهم الذي يمكن أن يخطر على البال: ماذا يدور خلف كواليس العلاقات التركية-الإسرائيلية؟.

ثمة من يستعجب من هذا التحول المفاجئ في المواقف التركية إزاء إسرائيل لكن وكما يقول المثل “إذا عُرف السبب بطل العجب”.. تركيا اليوم أمام أكبر أزمة اقتصادية تواجهها في التاريخ لأسباب منها داخلية قد يكون أهمها سوء إدارة بعض الأوساط للأزمة الاقتصادية مما حدا بالرئيس رجب طيب أردوغان إلى تغيير وجوه اقتصادية كثيرة لتجاوز الأزمة؛ ومنها خارجية بسبب اتخاذ بعض الدول الغربية والأوروبية مواقف معارضة للسياسة التركية المستقلة التي يسعى إليها الرئيس أردوغان، وفي كلتا الحالتين النتيجة واحدة، أي أن تركيا واقعة في خضم أزمة اقتصادية خانقة جنباً إلى جنب مع أزمات سياسية داخلية، ودبلوماسية خارجية.

في البداية، كانت “أنقرة” واثقة من أنها قادرة على تجاوزها حتى وإن اضطرت معها لشد الحزام الاقتصادي على أخره لكن مع الظروف الاستثنائية والمصائب الاقتصادية التي هزت العالم وزادت عليها أزمة “كورونا”، أدركت حكومة أردوغان ضرورة فرملة سياساتها وصياغة استراتيجية جديدة تصب في إطار براجماتي بالكامل دون أن يكون للمشاعر والانتماءات أو الانحيازات الفكرية دوراً فيها من أجل خدمة الشعب والوطن أولا. وعليه؛ مضى “قطار أنقرة للسلام” في التحرك أولا باتجاه محطات الدول الإقليمية مثل مصر، والإمارات، والسعودية، واليونان، وأرمينيا وأيضا إسرائيل.

ولعل الأزمة الروسية الأوكرانية، جاءت لترسخ من هذه القناعة التركية أكثر بعد أن تيقن صناع القرار في “أنقرة” أن المرحلة التي يعيشها العالم اليوم ليست مجرد أزمة اقتصادية بل وراءها ما وراءها من استراتيجيات لتغيير الموازين بل ولقلبها بالكامل في الشرق الأوسط.
ولكن لماذا إسرائيل بالذات؟..
ببساطة تامة، مهما اختلفت مشاعر الكراهية تجاه إسرائيل ووجودها غير الشرعي في المنطقة لا يمكن لعاقل واحد في العالم إنكار حقيقة أنها ليست “دولة افتراضية” في المنطقة بل دولة قوية بأذرعتها الخارجية تملك مفاتيح الدبلوماسية ولها أكبر تأثير على سياسات القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية وحتى في الإقليم. ولقد لاحظنا بشائر الخير كيف بدأت تحل رويدا فرويدا على تركيا، ورأينا كيف بدأت لهجة الرئيس الأمريكي جو بايدن تتحسن واتصاله الهاتفي مع الرئيس أردوغان، وما تبعها من اتصالات شبه يومية بين وزراء خارجية تركيا والولايات المتحدة حتى وإن كانت على حس الأزمة الأوكرانية. بالمثل أيضا رأينا ألمانيا وفرنسا والإشادات بتركيا طبعا دون إهمال الترحيب بعودة الدفء والحرارة إلى العلاقات التركية-الإسرائيلية.

واليوم بات واضحا للعيان أن ثمة دور إسرائيلي كبير يتم رسمه في المنطقة على صعيد خطوط الغاز والطاقة التي تعتبر العصب الحيوي لكل الدول لا سيما أوروبا التي بدأت تدرك الحاجة الماسة لتنويع مصادر الطاقة البديلة عن روسيا وعدم تركها في يد مصدر واحد.. وهنا يأتي الدور التركي-الإسرائيلي في سد هذه الثغرة. ولا ننسى أن إسرائيل لعبت لسنين طويلة دورا رئيسيا في المعسكر المعادي لتركيا مع اليونان وقبرص بل والمجيشّ الدولي ضدها في أزمة التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.

وقد يكون هذا ما يبرر استقبال الرئيس أردوغان لنظيره الإسرائيلي هرتسوغ بأحضان مفتوحة، ووصفه الزيارة بالتاريخية وبأنها “ستكون نقطة تحول في العلاقات وإعادة الحوار السياسي بين البلدين بناء على المصلحة المشتركة”، ليرد عليه هرتسوغ بالقول: “يمكننا تأسيس شراكة مهمة تقوم على الاحترام المتبادل وتسهم في رفاه واستقرار المنطقة”.

هناك من يقول أن زيارة الرئيس الإسرائيلي جاءت بدفع من “واشنطن” التي تضغط من أجل علاقات متينة بين حليفتها الكبرى إسرائيل، وتركيا التي تعتبرها من أهم الدول المساندة لها وللمصالح الأمريكية الجيو-استراتيجية” في المنطقة. بالتالي، يبدو أن الأمريكي أعطى الضوء الأخضر بشكل حاسم لتعاون البلدين، وكان حاضراً في تفاصيل الخطوات العملية لتحقيق هذه المصالحة. ولا ننسى أنه مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض مطلع 2021، كان الحديث يدور بقوة عن مساعيه لتحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل.

في الخلاصة يمكن القول أن الحديث عن العلاقات التركية-الإسرائيلية حالياً يمكن وصفه بـ”تحالف ضرورة” في ضوء المتغيرات السريعة في المنطقة والعالم.. وعليه، فإن قائمة التطبيع التركية تبدو ما زالت طويلة، والخطوات التصحيحية للخلافات الإقليمية مستمرة، وقد تنضم لاحقاً إليها دول أخرى مثل سوريا طالما أن المنفعة من المصالحات ستكون أكبر بكثير من الخصومات التي أضّرت باقتصاد تركيا مع ما يرافقها أيضا من استقطاب سياسي شديد داخلياً في ظل اقتراب البلاد من استحقاق انتخابي مصيري بالنسبة للحزب الحاكم وزعيمه الرئيس أردوغان.

المصادر

المصادر
1 خاص-سراي بوست