25 مايو، 2025 | 11:59 صباحًا
مقالات كتّاب

اضطراب الاقتصاد العالمي وجائحة كورونا.. فرصة ذهبية لتحسين التقارب التركي مع السعودية والإمارات

بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركية و العلاقات الدولية

رب ضارة نافعة؛ مثل شعبي شائع يكاد ينطبق حرفيا على التحولات الراهنة التي تعيشها تركيا في علاقاتها مع بعض دول المنطقة التي كان يشوبها التوتر والفتور.

فالأزمات الاقتصادية التي تعمقت مع جائحة “كورونا”، قدمت فرصة ذهبية لترحيل الخلافات السياسية واستبدالها بإعادة ترتيب الأولويات ودفع المصالح الاقتصادية على غرار ما حدث، منذ مطلع العالم الجاري، بفتح تركيا لباب التطبيع مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر.

وعلى الرغم من تسجيل تركيا لثاني أقوى نمو اقتصادي في العالم بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال الربع الثاني من عام 2021 بنسبة نمو بلغت 21.7%، وتحطيمها للرقم القياسي في تاريخ البلاد من الصادرات الخارجية التي تجاوزت 121 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، وتحسن مؤشرات التجارة الخارجية والأداء القوي لحكومة الرئيس رجب طيب إردوغان في احتواء الأزمات المالية خصوصا في ظل جائحة “كورونا” التي أتت على الأخضر واليابس في الحياة الاقتصادية والاجتماعية حتى في أكثر الدول تقدما مثل إيطاليا وفرنسا وأسبانيا بسبب الحظر والإغلاق وتوقف العائدات السياحية، إلا أن كل هذه الأرقام الرسمية الجيدة تتناقض، وفقا للخبراء، مع واقع الحال المعيشي الذي يؤكد أن تركيا ما تزال تعيش وضعا اقتصاديا وماليا صعبا غير مستقر نتيجة جملة من العوامل الداخلية والخارجية أهمها تآكل السيولة النقدية، وتفاقم المديونية، وتراجع سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار، وارتفاع نسبة التضخم والبطالة والمواد الغذائية الرئيسية إلى مستويات قياسية ما تسبب برفع نسبة الفقر في البلاد والتي بدورها شكلت عبئا سياسيا كبيرا على الحكومة، وورقة ضغط عليها تستخدمها أحزاب المعارضة كسلاح لتأليب الشعب ضدها.

وأمام هذه الوضعية الاقتصادية بصورتها الصعبة تدرك حكومة الرئيس إردوغان أنها لن تتمكن من كسر جمود الأزمات المالية القديمة والناشئة في البلاد بدون دعم اقتصادي خارجي قوي، لهذا فقد اتخذت قرارا استراتيجيا مهما بتوسيع ساحة المناورات المالية، وإرساء مصالحات تكتيكية لتنفيذ خطة إنعاش اقتصادية تفتح معها أبواب جديدة لجذب المستثمرين الأجانب وتحقيق الاستقرار المالي على المدى القريب عبر إعادة اللحمة الاقتصادية وزيادة التعاون مع عدد من الدول المؤثرة اقتصاديا في المنطقة والتي كانت على توتر سياسي سابق معها وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وهما الدولتان الأكثر استيرادا للسلع التركية في المنطقة لا سيما الإمارات التي تعد الشريك التجاري الأول لتركيا في الشرق الأوسط. فبحسب البيانات الرسمية، بلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في تركيا 4.3 مليار دولار حتى نهاية عام 2019، في وقت تنشط فيه الشركات التركية بقوة أيضا في الإمارات.

وبينما يبدو أن “أنقرة” تحاول من جهة دفع المصالحة وإعادة المياه السياسية والاقتصادية إلى مجاريها مع دول إقليمية كبرى مثل السعودية وحتى مصر لاستشعارها الخطر إزاء المتلاحقات والتطورات الراهنة في الشرق الأوسط والعالم إلا أنها في المقلب الآخر تبدو وكأنها تركز حاليا على مسار تحسين التعاون الاقتصادي مع الإمارات، بالدرجة الأولى، للحصول على امتيازات كبيرة جديدة منها بحسب ما يتضح من تصريحات الرئيس إردوغان الذي أعلن عن مشاريع إماراتية ضخمة وجديدة سيتم ضخها في تركيا في المرحلة القادمة، بعد سنوات عجاف غاب فيها التدفق الاستثماري الإماراتي عن الاقتصاد التركي. وبالمثل أيضا، تبحث الإمارات كغيرها من الدول الخليجية عن دخل غير نفطي مع انخفاض أسعار النفط، لذلك تبدو اليوم في أمس الحاجة إلى موطئ قدم قوي ومستقر للاستثمار في العالم،  وشركاء تجاريين أقوياء قادرين على دعم خططها بالنمو الاقتصادي، لهذا ترى في تركيا أنها الخيار المفضل حاليا بسبب مزاياها الاستراتيجية المتعددة.

ضمن هذا الإطار، قد تكون أقوى خطة للمصالحة بين البلدين سياسيا واقتصاديا جاءت من مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان الذي زار “أنقرة” في أغسطس الماضي والتقى بالرئيس رجب طيب إردوغان في اجتماع كان الأعلى مستوى بين البلدين منذ عام 2016.

ووسط متطلبات الوضع الاقتصادي الإقليمي والدولي الراهن، تدرك تركيا أن المصالح الاقتصادية المشتركة والحاجة الملحة لتلبية رغبات شعبها بالاستقرار السياسي والاقتصادي قد تكون الباب لتذويب أي خلافات سياسية قائمة وسبيلا لإعادة النظر باتجاه توسيع روافد المصالحة خصوصا مع الدول الخليجية التي يبلغ حجم استثماراتها في تركيا، وبالأرقام الرسمية، نحو 13 مليار دولار.

ومن ثم، يتجلى واضحا أن تركيا تبدو منفتحة وبكامل استعداها لتدشين المصالحات مع جميع الدول التي كانت مختلفة معها سابقا خصوصا السعودية والإمارات وهو ما قد يصب في نهاية المطاف تحت عنوان عريض “الاقتصاد”، وُيترجم لاحقا إلى مستوى سياسي أفضل.

في المجمل، يجمع الخبراء على حقيقة أن نفض غبار الأزمات وإعادة بناء الجسور وتعظيم القواسم والعمل المشترك من شأنه أن يسطر فصلا جديدا من مشهد النمو الاقتصادي لتركيا ويضمن عقود مقبلة من الاستقرار والازدهار لجميع شعوب المنطقة التي باتت حاليا تتقلب على جمر النار، في وضع مشكك لقدرات زعمائها في إدارة شئون البلاد، مما قد يمهد لثورات جديدة على حكامها تزيد من قتامة المشهد في مستقبل الشرق الأوسط الجديد.