
بقلم/طه عودة أوغلو-باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص سراي بوست
من المعروف أن العلاقات الجيوسياسية بين تركيا وعدد كبير من الدول الأفريقية لها باع وتاريخ طويل لكن لا يوجد أدنى شك من أن تاريخا جديدا من الصداقة والتعاون كُتب لهذه العلاقات مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” الحاكم منذ عام 2003، والذي تبنى مع القارة السمراء سياسة خارجية متعددة الأبعاد، مشتركة المصالح آخرها كان هذا الأسبوع بالجولة الأفريقية التي قام بها لكل من أنغولا، وتوغو، ونيجيريا والتي سلطت الضوء على الخطوات التركية الرامية لجذب شركاء سياسيين واقتصاديين في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب.
الرئيس إردوغان استطاع كزعيم سياسي تحطيم الرقم القياسي في تركيا والعالم بعدد الدول الأفريقية التي زارها منذ أن كان يشغل منصب رئاسة الوزراء حتى وصوله إلى رئاسة الجمهورية حيث زار 31 بلدا أفريقيا بعضها أكثر من مرة. بالتالي، سخرت تركيا مع الرئيس إردوغان دبلوماسيتها باتجاه الدول الأفريقية لتحقيق أهداف متنوعة سياسية واقتصادية واستثمارية وعسكرية، لتشهد العلاقات نقلة نوعية في مطلع الألفية الثانية وصولا إلى يومنا هذا.
ومع الاستراتيجية الجديدة في التقارب مع الدول الإفريقية سياسيا واقتصاديا، والتي أفرزت زيادة هائلة بحجم التجارة مع القارة السمراء، بدأت تركيا في السنوات الخمس الأخيرة بقطف ثمار النجاح الذي يدعم موقعها كلاعب عالمي محوري. تجلى ذلك بالتصريحات التي صدرت قبل يومين عن وزير التجارة التركي الذي تحدث عن تطور اقتصادي هائل طرأ على العلاقات التركية-الأفريقية منذ عام 2003 حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين الطرفين من 5.4 مليارات دولار عام 2003 إلى 25.3 مليارا حتى نهاية عام 2020، أما الصادرات التركية، فقد ارتفعت من ملياري دولار إلى 15 مليارا، كما ازدادت وارداتها من القارة من 3 مليارات إلى 10 مليارات.
وترنو تركيا إلى أن يصل حجم التبادل التجاري بينها والقارة الإفريقية إلى عتبة 50 مليار دولار بحلول سنة 2023 بفعل الاستثمارات العملاقة التي قامت بتعبئتها في الداخل الإفريقي من خلال الاعتماد على العمالة الإفريقية المحلية.
كما تحدث موش أيضا عن المشاريع الفذة التي نفذتها شركات الإنشاء التركية، فقال أن قيمتها بلغت 77 مليار دولار دون أن يهمل ذكر الخطوط الجوية التركية التي تسيُر حاليا رحلاتها إلى 58 وجهة في القارة الأفريقية.
كما مزجت تركيا الرؤية الدبلوماسية والاقتصادية بالمقاربة الإنسانية والثقافية، فاختارت مشاركة خبراتها وتجاربها في مختلف المجالات مع بلدان القارة الأفريقية وفق مبدأ (رابح–رابح) المرتكز على إيجاد حلول إفريقية للأزمات المحلية وتقاسم أرباح الاستثمارات من الجانبين، وهو ما شكل أداة من أدوات الدبلوماسية الناعمة، ليتعزز التمثيل الدبلوماسي التركي في 47 بلدا إفريقيا، ويرتفع معها عدد السفارات التركية في أفريقيا منذ عام 2002 من 12 إلى 42 ومجالس التعاون التجاري من ستة إلى 46، وهو ما ساهم بشكل كبير في تطور العلاقات بين الجانبين وشكل قوة دافعة لتمتين العلاقات السياسية وتصل إلى ذروة مستوياتها.
إردوغان انتقل لاحقا إلى إضافة بعدا عسكريا أيضا على العلاقات السياسية والاقتصادية إذ لم يكتف خلال زياراته للقارة السمراء بالإعلان عن المنتجات العسكرية التركية بل سعى أيضا إلى إقامة تعاون عسكري، وقد تبلور هذا الدور من خلال تواجد القاعدة العسكرية في الصومال والقرن الإفريقي.
وبهذه الكفاءة الاستراتيجية التي أثبتت تفوقها، تمكنت تركيا كقوة “غير غربية” من توسيع خيوط نفوذها وتحدي العولمة التي تقودها القوى الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة وأوروبا في القارة السمراء التي تعتبر مسرح للتنافس الاستثماري والتجاري العالمي لما تمتاز به من مؤهلات وإمكانيات ضخمة.
وعليه، يمكن الجزم أن جولة إردوغان الأخيرة إلى أفريقيا مع كوكبة من رجال السياسة والأعمال إنما هي دلالة واضحة على إصرار تركيا على التفاعل والانفتاح أكثر على القارة الأفريقية اعتمادا على الحاجات والمتطلبات المتبادلة التي تقتضيها هذه العلاقة في كل مرحلة من المراحل، ويؤكد أيضا أن اهتمام تركيا بأفريقيا ليس عبارة عن تطوير عادي للتعاون الدولي بل مسعى مهم لإكساب القوة والمنافذ السياسية والاقتصادية الخارجية الجديدة لتركيا لتعزيز مستوى الانخراط الفعلي في التحولات الجارية في أفريقيا.
المصادر
↑1 | خاص سراي بوست |
---|