
طه عودة. اوغلو /باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص سراي بوست
أخيرا، طوّت كل من تركيا والإمارات العربية المتحدة صفحة من التوتر السياسي عمرها أكثر من 12 عاما، لينتقل المشهد مع الزيارة التي قام بها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان إلى العاصمة التركية “أنقرة”، والاستقبال الاستثنائي بل التاريخي الذي وجده من الرئيس رجب طيب إردوغان، من الصراع إلى الدبلوماسية ومنها إلى تعاون اقتصادي ضخم..
صحيح أنها كانت زيارة قصيرة لكن بأبعادها ونتائجها الإيجابية المتوقعة على المدى القريب والمتوسط، كانت تاريخية من حيث تجاوز عثرات الماضي من جهة، والتطلع إلى حقبة جديدة ومستقبل مشرق للعلاقات الودية من جهة أخرى لا سيما أن كلا الزعيمين والوفود المشاركة معهما بدت على وجوههم ملامح الارتياح أمام عدسات الكاميرا ومن خلفها أيضا، فكان الإصرار واضحا على تقديم المرونة الدبلوماسية لأجل المصلحة الثنائية والإقليمية وحتى الدولية، وإعادة الدفء، وإنهاء مرحلة القطيعة والتنافس التي سادت علاقات البلدين خلال العقد الماضي.
لا شك أن هذه المؤشرات الإيجابية في مسار العلاقات التركية-الإماراتية، والمرحلة التي وصلت إليها اليوم، حدثت نتيجة الخطوات المتدرجة التي أقدمت عليها”أنقرة” خلال الأشهر الماضية لتطبيع العلاقات حيثطرقت باب خصومها الإقليميين، فبدأت أولا من “القاهرة”، وتواصلت لاحقا مع “الرياض” و”أبوظبي”و”المنامة” لرأب الصدع معها، لتكون زيارة ولي عهد أبوظبي بمثابة استكمال لهذا التحرك، وهو أمر طبيعي في إطار السعي لتحقيق الاستدامة في تحسن العلاقات بين البلدين التي مرت بفترة صعبة جدا على مدار سنوات حين دعم كل منهما طرفا مختلفا لخدمة مصالحه الخاصة سواء في مصر أو سوريا أو ليبيا وحتى شرق المتوسط.
وإذا أردنا أن نضع عنوانا عريضا للزيارة، فسيكون دون شك هو “ترك الماضي والنظر للمستقبل”. فمن خلال تصريحات المسئولين الأتراك التي حملت طابعالاستعداد التام لتطبيع العلاقات، نلحظ أن هناك رغبة تركية جليّة في تصفير المشاكل وإصلاح العلاقات الخارجية خصوصا مع العالم الخليجي وطي صفحة الخلافات ضمن سياق توافقي إقليمي عام لتبريد التوترات في المنطقة. هذا ما يمكن استنباطه من تغريدة رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون التي أكد فيها على أهمية زيارة بن زايدكدليل “على مساعي أنقرة من أجل السلام والاستقرار الإقليمي”، وشدد على أن تركيا والإمارات مصرتان على تعزيز علاقاتهما الاقتصادية، والاستفادة من فرص التعاون الإقليمي، وفتح صفحة جديدة في العلاقات التركية-الخليجية من حيث الاستقرار بالمنطقة. كما بشّر وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أيضا بزيارة سيقوم بها إلى العاصمة الإماراتية “أبوظبي” في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وبالمثل أيضا، من المعروف أن الإنتاج ما زال معطلا في الدول الخليجية باستثناء بعض الصناعات المعتمدة على النفط. بالتالي، فإن تصريحات المسئولين الإماراتيين التي تلت الزيارة أكدت عزم دولة الإمارات القوي على العمل ضمن خطة طموحة لتنويع مصادر دخلها وتقليل اعتمادها على النفط، وبأنها ترى في تركيا، القوية ذات الموقع الاستراتيجي المتميز، البلد الأمثل لمثل هذه الاستثمارات.
ووفقا للخبراء، فإن هذه الزيارة نجحت في كسر الجليد بين البلدين على صخرة المصالح الاقتصادية المنتظرة لا سيما أن “إنعاش الاقتصاد المتأزم” كان أحد الأسباب بل ربما أولها في دفع بتركيا لإعادة إرساء التوازن في العلاقات مع الإمارات التي وقعت على استثمارات ضخمة بقيمة 10 مليارات دولار هي أكثر ما تحتاجه تركيا في الوقت الحالي. وظهر مفعول الصلح التركي-الإماراتي سريعا على أسواق العملات حيث انتعش سعر صرف الليرة التركية سريعا بعد أن كانت قد وصلت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مسجلة 13.30 أمام الدولار.
كما أن ثلاثية “الحوار والاستقرار والتعاون”، وتضييق فجوة الخلافات التركية مع بعض الدول الخليجية كانت الدافع للزيارة في ظل سعي كلا البلدين لإعادة التموضع السياسي وتصحيح المسار الدبلوماسي بين الدولتين الإسلاميتين القويتين، بالتالي، نرى أن هناك مرحلة جديدة تترقبها المنطقة بعد هذا التقارب التركي الإماراتي ومن قبله المحادثات الاستكشافية مع مصر والسعودية والذي سيساهم بالتأكيد في حلحلة الكثير من القضايا العالقة مع الدول العربية وفي قلبها الخليجية لحل المشاكل الإقليمية من باب الدبلوماسية التي تحتاجها المنطقة اليوم أكثر من أي وقت مضى.
بالمجمل، تبدو تركيا والإمارات اليوم منفتحتان أكثر من أي وقت مضى على تدشين المصالحات بما يصب في نهاية المطاف تحت عنوان “الاقتصاد” ويُترجم لاحقا إلى مستوى سياسي أفضل.. أما المشاكل بين البلدين، فكما جاءت على حين غرة وبدون سابق إنذار، ها هي بدأت تتبخر شيئا فشيئا، لتعود العلاقاتإلى سيرها ومكانها الطبيعي.
المصادر
↑1 | خاص سراي بوست |
---|