مقالات كتّاب

هل سينجح لقاء أردوغان-بايدن القريب في فك عقدة الملفات الإشكالية بين أنقرة وواشنطن؟

بقلم/طه عودة أوغلو-باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص-سراي بوست

لا زالت حالة الاستعصاء الدبلوماسي تخيم على العلاقات التركية-الأمريكية لتعكر المزاج السياسي بين البلدين بسبب تكدس جملة من الملفات إلى إشعار أخر لعل آخر فصولها تمثل باقتناء “أنقرة” لمنظومة صواريخ “أس 400” الروسية وإصرارها على التمسك بها بل والإعلان عن احتمال شراء المزيد منها رغم كل التهديدات التي لوحت بها الولايات المتحدة من أن هذا الإصرار التركي سيكون له “تبعات خطيرة” لا سيما في حال شرائها دفعات جديدة من الأسلحة والمعدات العسكرية الروسية.

لا شك أن الملفات الخلافية وتشابك المصالح بين البلدين كثيرة جدا وكان الفتيل الأول الذي أشعل التوتر هو رفض الولايات المتحدة لتسليم فتح الله غولن زعيم منظمة “غولن” التي تحمله “أنقرة” مسئولية انقلاب 15 يوليو/تموز عام 2016 ضد حكومة الرئيس أردوغان، ليتبعها خلاف كبير حول إيقاف القس الأمريكي أندرو برانسون في تركيا بتهمة تعاونه مع تنظيمات تصنفها تركيا كـ”إرهابية” أُضيف إليها منطقة شرق الفرات المحتلة من تنظيمات إرهابية مثل حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب الكردية والتي تتلقى دعما عسكريا أمريكيا قويا بما يهدد الحدود التركية وأمنها القومي، وهو ما يدفع “أنقرة” إلى التفكير أن الخطوات الأمريكية في المنطقة لا تعتبر لصالح تركيا بل على النقيض تماما.

ومع استمرار الإشكاليات يجنح الكثير من الخبراء إلى موقف استغرابي بخصوص تعريف مستقبل هذه العلاقات الثنائية التي تسير على منوال معّقد وغير مفهوم، فتارة يذهب التصعيد بين البلدين إلى أعلى درجاته لكن “دون قطيعة” وتارة أخرى يخفت ويُستبدل بلهحة دبلوماسية تصالحية.

ولعل أفضل مثال على ذلك في التصريحات التي صدرت مؤخرا من “واشنطن” على لسان النائب الأول لوزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان من أن “الولايات المتحدة تعتبر تركيا شريكا مهما في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وهي ملتزمة ببناء العلاقات معها على الرغم من كل تعقيداتها..

وأيضا على الرغم الخلافات حول أس-400″. في المقابل، برزت ادعاءات مؤخرا من أن تركيا تقدمت بطلب إلى الولايات المتحدة لشراء 40 طائرة من مقاتلات “إف-16” إلى جانب معدات لتحديث 80 من طائراتها الحربية في صفقة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وذلك بعد فشلها في شراء طائرات “أف-36” بسبب إقصاء أمريكا لها من برنامج المعدات الدفاعية عام 2019 لاقتنائها المنظومة الروسية المتطورة. 

لكن في المقلب الآخر، ورغم كل التصريحات الأمريكية الدبلوماسية والبراقة ووصفها تركيا بـ”الحليف المهم لها في المنطقة” إلا أنها في نفس الوقت تقدم كل الدعم للتنظيمات الإرهابية المعادية لتركيا في شمال سوريا وهو ما أثار غضب الرئيس رجب طيب أردوغان الذي هدد قائلا أن:”الهجوم الأخير على قواتنا في منطقة عملية درع الفرات والتحرشات التي تستهدف أراضينا، بلغت حدا لا يحتمل.. لقد نفد صبرنا تجاه بعض المناطق التي تعد مصدرا للهجمات الإرهابية من سوريا تجاه بلادنا..

بالتالي، سنقضي على التهديدات القادمة من شمال سوريا إما عبر القوى الفاعلة هناك أو بإمكانياتنا الخاصة”.

أما وزير خارجيته مولود جاووش أوغلو، فقد اعتبر أن تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بتمديد حالة الطوارئ في سوريا وتوجهيه انتقادات لأنقرة مع الدعم الذي تقدمه أمريكا للإرهابيين في سوريا يشكل “جريمة بموجب القانون الأمريكي”. 

كما تبدو “واشنطن” منزعجة أيضا من التقارب الكبير بين حليفها الإستراتيجي في المنطقة “أنقرة” وخصمها اللدود “موسكو” بعد أن شهدت العلاقات التركية-الروسية في السنوات الأخيرة  قفزة هائلة في كل الجوانب خصوصا السياسية والاقتصادية والعسكرية. فواشنطن ترى في تقارب “أنقرة” مع “موسكو” وبدرجة أقل مع “طهران”، مشكلة كبيرة وخطر على تعاونها مع أصدقائها الغربيين.  

ومع كثرة اللغط وانتشار الصخب حول هذه العلاقات المتأرجحة، تسود حالة من الترقب لدى العديد من الأوساط المحلية والعالمية من أن التحديات خلال المرحلة المقبلة ستكون كبيرة جدا وسط القناعة التركية السائدة حاليا من أن ولاية الرئيس بايدن لن تحدث تحولا جذريا في سياسة “واشنطن” الإقليمية التي تتعارض مع مصالح وأمن تركيا.

لكن مع ذلك ربما ستتضح صورة هذه العلاقات ومستقبلها بشكل أكبر بعد اللقاء المرتقب بين أردوغان وبايدن على هامش اجتماع مجموعة العشرين في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الجاري والذي سيتم خلاله تفعيل اللغة الدبلوماسية على أشدها في التعامل مع القضايا المطروحة على الطاولة مثل منظومة الدفاع الروسية، والجغرافية السياسية والعسكرية في كل من سوريا وأفغانستان وليبيا. 

في النتيجة، أياً يكن التصور للعلاقات التركية-الأمريكية المستقبلية، ومهما كانت مرشحة لمزيد من التصعيد وحتى العقوبات الإضافية مستقبلا، إلا أن الخبراء يجمعون على شيء واحد؛ لا يمكن إغفال الحقيقة الواضحة أن كلا البلدين بحاجة بعضهما الآخر ومجبران على الإبقاء على التوازن والمرونة قدر الإمكان لحماية مصالحهما في المنطقة، وهو الأمر الذي يبقي الأمل من أن العلاقات ليست مرشحة للقطيعة الكاملة ولا المواجهة الكاملة.. والأهم من كل ذلك، فإن العلاقات بين البلدين أُسست على بنيان متين طيلة العقود الماضية، وتبدو اليوم أكبر وأقوى من أن تهدد مثل هذه المشاكل بنسفها، فما زالت “واشنطن” تستفيد كثيرا من الأدوار التي تلعبها “أنقرة” في الشرق الأوسط، وأكثر منها في البلقان والقوقاز، المنطقتان الأهم لمواجهة “موسكو” بالنسبة لها.

المصادر

المصادر
1 خاص-سراي بوست