
بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص-سراي بوست
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستجرى في صيف 2023، تشتد وطأة الضغوط الاقتصادية على حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليبدأ الحديث في الدوائر السياسية التركية ووسائل الإعلام الأجنبية عن أن ساعة التغيير قد دُقت، وبأن صلاحية حزب “العدالة والتنمية” الحاكم أوشكت على الانتهاء، بما يفتح موسم المراهنات حول الخليفة المحتمل لأردوغان.
وإذ يستبعد فريق من الخبراء إزاحة الرئيس أردوغان عن السلطة بسهولة نظرا لأنه لا زال يحتفظ بشعبية كبيرة بالمقارنة مع منافسيه السياسيين إلى جانب كم هائل من السلطات يجمعها في قبضته وتمكنُه من اتخاذ وضعية دفاعية قوية للحفاظ على منصبه، يرى آخرون أن الدنيا بدأت تضيق سريعا على أردوغان لعدة عوامل أهمها الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها الشعب التركي، وهو الأمر الذي يضغط باتجاه إحداث تغيير سياسي لعل وعسى يتغير البلاد من حال إلى حال.
في نفس الوقت، بدأت الصحافة التركية والعالمية على غرار مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تتداول مؤخرا ادعاءات حول أن أردوغان يعاني من مشاكل صحية خطيرة وصلت إلى درجة تجعل من إعادة انتخابه أمرا صعبا، لتطرح تساؤلا حول من سيخلف أردوغان فيما لو لم يتمكن من الترشح لانتخابات 2023 بسبب المرض أو حتى الوفاة إن حصلت.
لا شك أن صدور مثل هذه التقارير والادعاءات في هذا الوقت بالذات يحمل دلالات عديدة أهمها التعبئة العامة وزيادة الضغط النفسي على الرأي العام التركي وإدخال الفكرة في أذهان الناس خصوصا القاعدة الشعبية للحزب الحاكم واستدراجه لتغيير ولائه ورأيه في التصويت لصالح حزب أردوغان سواء من باب الترويج لاستفحال مرضه أو من خلال الضغط على العصب الاقتصادي.
صحيح أن موقف الرئيس في تأزم بسبب الاقتصاد المتراجع لكن يرى البعض أن الحديث فيمن سيخلفه هو أمر سابق لأوانه إذ قد يكون الشيء الوحيد الذي يتفق عليه مؤيدو أردوغان ومعارضوه على حدا سواء هو أن هذا الرجل القوي صاحب الكاريزما العالية الذي يحكم البلاد منذ عام 2002 سجل اسمه بحروف من ذهب كثاني أكبر زعيم في تركيا المعاصرة بعد مؤسس الجمهورية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك وذلك من خلال تحويل تركيا من بلد فاشل اقتصاديا عند بداية الألفية الثانية إلى بلد يعد من أقوى الاقتصادات العشرين في العالم فضلا عن المشاريع الكبرى التي نفذتها حكومته من مدارس ومستشفيات ومشاريع بنية تحتية نهضت بالدولة إلى أعلى المستويات، وتحويله تركيا إلى مركز صناعي ودولة مهمة في المجال العسكري والدفاعي.
كما أن أردوغان ومع كل الانتقادات اللاذعة التي يتعرض لها، وعلى الرغم من التجييش الهائل الذي تقوم به أحزاب المعارضة قاطبة ناهيك عن الانقسامات التي حصلت بداخل حزبه الحاكم من أسماء لها وزن وثقل لدى الرأي العام إلا أنه بقي واقفا على قدميه ولا زال لغاية الآن الرجل الأقوى في البلاد، والأكثر قرباً إلى قلوب الأغلبية الكبرى من الشعب.
بالتالي، مهما حاولت المعارضة مزاحمته على السلطة أو طالته أقلام الصحافة المنحازة محلية كانت أم عالمية إلا أن الأكيد هو أن أردوغان لن يترك الساحة الانتخابية مفتوحة أمام المعارضة لا سيما أنه لا يوجد اسم واحد أجمع عليه الناس لحد الآن نظرا لانعدام الثقة بالبديل المستقبلي بدليل أن المعارضة نفسها ورغم أنها اليوم تقول بأنها في موقف أقوى بسبب التحالف والتكاتف غير المسبوق بينها، وما تصفه بـ”تراجع شعبية وهزيمة” الحزب الحاكم في الانتخابات البلدية بمدن وأقاليم عدة مهمة في البلاد على رأسها مدينة “اسطنبول”، والاقتصاد المتراجع الذي تتخذه سلاحا للهجوم الإعلامي اليومي على أردوغان إلا أنها لا زالت عاجزة عن تسمية منافس ومرشح موحد له في الانتخابات المقبلة؛ بل هي ما زالت تمعن البحث عن مرشح بخلفيات محافظة أو قومية مثل عمدة “أنقرة” منصور ياواش أو إسلامية مثل عمدة “اسطنبول” أكرم إمام أوغلو لكسب أكبر شريحة ممكن من الناخبين بعيدا عن الشخصيات العلمانية التقليدية لا سيما أن هذان الرجلان تمكنا لأول مرة منذ 18 عاما من كسر احتكار الحزب الحاكم على المدينتين الأهم في البلاد.
لكن وباستثناء بعض النجاحات التي حققتها المعارضة التركية في الأشهر الأخيرة إلا أنها لا زالت على مستوى الأغلبية الكبرى من الشعب فاقدة الأهلية للوصول إلى السلطة بسبب عجزها عن تقديم أي مبادرات أو حلول جديدة خلال السنوات الماضية، وهو ما يؤكد بأن موقفها من بيت العنكبوت ومجرد فقاعة قابلة للانفجار في أي لحظة أمام الخصم أردوغان الذي لا زال رغم كل شيء يتمتع بالدعم الشعبي الأقوى في البلاد.
المصادر
↑1 | خاص-سراي بوست |
---|