
بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص سراي بوست
أبى عام 2021 أن يرحل دون أن يترك وراءه إرثاً كبيراً من الملفات السياسية المعقدة التي يبدو أنها تنتظر حلولاً جذرية موعودة بالحلحلة شيئاً فشيئاً خلال عام 2022..
ملفات لعلها ثقيلة خصوصاً على حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي تأثر عرشه الحصين بسبب جملة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية سواء تلك المتعلقة بالحياة الداخلية من جهة والعلاقات الخارجية مع بقية الدول من جهة أخرى جنباً إلى جنب مع تزايد مطالبات المعارضة بانتخابات مبكرة قد لا تسير وفقاً لهوى الحزب الحاكم الذي تأثرت شعبيته سلباً أيضاً بحكم الواقع الاقتصادي الذي يهيمن على البلاد.
ومع وداع تركيا لعام 2021 الذي كان استثنائياً بامتياز من خلال ما عاشته في أشهره الستة الأخيرة من تحولات وتطورات وأزمات على مختلف المستويات، تتركز الأنظار في العام الجديد على بوصلة الأحداث المتسارعة على الصعيدين الداخلي والإقليمي لرسم ملامح المستقبل خصوصاً مع إقبال تركيا على انتخابات برلمانية ورئاسية صعبة ومصيرية للغاية، سواء في عام 2023، أو ربما تكون مبكرة في نهاية هذا العام، في ظل صراع محتدم على السلطة بين الحكومة والمعارضة.
في الداخل التركي، قد لا يختلف عام 2022 الجديد كثيراً بتفاصيله عن عام 2021 من زاوية الأزمات الكبيرة على رأسها المتعلقة بتراجع قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية الأخرى حيث أن “لغة الاقتصاد” كانت هي الطاغية على المشهد الداخلي العام ككل بينما تصاعدت حدة الاستقطاب السياسي ما بين الحزب الحاكم وحليفه وباقي أحزاب المعارضة بسبب الانتخابات المبكرة.
من الواضح أن الحكومة لا زالت تعول على إيجابيات مواصلة إتباع البرنامج الاقتصادي الذي أعلنه الرئيس أردوغان رغم أن خبراء المال يتوقعون أن يكون العام الجديد عاماً صعباً بالنسبة للمواطن التركي بيد أن جميع القرارات التي تم اتخاذها كان لها نتائج إيجابية محدودة لحد الآن، ما يهدد بعودة الأزمات لاحقاً في بداية (الشهر الرابع).. خصوصاً بعد الإعلان عن ارتفاع نسبة التضخم إلى ما يقرب من 36 بالمئة نتيجة لارتفاع أسعار الواردات.
وفي حال استمرار تراجع الأداء الاقتصادي، ولم يطرأ تحسن ملموس على مستوى معيشة المواطنين ورفع قدرتهم الشرائية، يتوقع المراقبون أن تستمر حالة السخط الداخلي ضد الحكومة وهو ما قد يصب في مصلحة المعارضة التي ارتفعت أسهمها الشعبية خلال عام 2021 بحسب استطلاعات العديد من المراكز والمؤسسات المتخصصة في دراسة اتجاهات الرأي العام داخل تركيا.
بالتالي، وعلى ضوء نتائج الخطوات التي ستقدم عليها الحكومة خلال الأشهر المقبلة (اقتصاديا) يمكن فهم ملامح الصورة السياسية التي ستشكل في النصف الثاني من العام المقبل وهل ستتجه البلاد إلى انتخابات مبكرة أم لا.
صحيح أن عام 2021 لم يكن الأفضل بالنسبة لتركيا من حيث السياسية الداخلية والاقتصاد لكن في المقابل كانت هناك نجاحات ليس بقليلة على الصعيد الخارجي من حيث التهدئة والسعي باتجاه حل الخلافات مع دول كانت تركيا في حالة توتر معها، وكانت تصنف ضمن قوائم “المتنافسين والأعداء”، لتطرأ في الأشهر القليلة الماضية تحولات جذرية” ومصالحات على صعيد علاقاتها الخارجية مع دول مثل مصر، والإمارات، والسعودية وحتى من أشد خصومها إسرائيل وأرمينيا.
اللافت أن ملف المصالحات الذي فتحته تركيا، العام الماضي، مع دول الجوار شغلها تماما عن أي مشاكسات سواء مع الاتحاد الأوروبي أو حتى الولايات المتحدة بحيث بقيت العلاقات في حالة “هدوء” لم تسجل فيها اختراق لعضويتها الأوروبية أو تحسن كبير في علاقاتها مع “واشنطن” لكن في نفس الوقت لم تسجل أي تصعيد جديد في توتر العلاقات.. بل حتى إشكالية شراء منظومة الدفاع “أس 400” الروسية، تركت تركيا باب النقاش مفتوحا أمام “واشنطن” إما لاعادتها إلى برنامج تصنيع طائرات “أف 35” أو على الأقل إعادة أموالها إليها.
أما على مستوى القارة الأفريقية شهدت علاقات تركيا تطوراً ملموساً خلال عام 2021 ومن المتوقع لها أن تستمر بنفس الزخم في عام 2022 سياسياً واقتصادياً إلى جانب تعزيز حضورها الدفاعي العسكري وذلك عبر ما تمنحه منتجاتها العسكرية من جاذبية معززة لهذا الحضور.
وفقاً للخبراء، فإن السياسة التركية في عام 2022 قد تشهد جموداً في الملفات الخاصة بتدخلاتها العسكرية الخارجية. ففي ليبيا، من المتوقع أن تلتزم تركيا باستمرار حضورها السياسي والعسكري مع إبداء موافقة رسمية على مسار ومخرجات العملية الانتخابية ودون إجراء أي تصعيد ميداني من شأنه إجراء أي تغيير على المشهد الراهن.
أما في العراق، من المرجح استمرار التواصل السياسي والتجاري الرسمي مع الحكومة العراقية، بجانب القيام بعمليات نوعية ضد عناصر حزب “العمال الكردستاني” داخل الحدود العراقية، والتفاوض بشأن إنشاء قواعد عسكرية جديدة في شمال العراق، وهو الأمر الذي سيكون محل للخلاف التركي مع الحكومة العراقية، يضاف إليه الخلاف حول السدود التركية المقامة على نهر دجلة والتي تعرض حصص العراق المائية للخطر.
في سوريا، وتبعاً للمتغيرات الإقليمية الجارية، لاسيما التوجه العربي العام نحو الاعتراف بشرعية النظام السوري، وفي ظل استمرار الرغبة التركية في استثمار المرحلة الراهنة من التوافق، فمن غير المرجح القيام بعملية عسكرية جديدة داخل سوريا يستدل على ذلك تراجعها عن تنفيذ تهديداتها بشن هجوم عسكري على مناطق بالشمال السوري، وإطلاقها في المقابل لعملية (أرن الشتاء) داخل حدودها المحاذية لكل من سوريا والعراق ولكن، سيظل من المحتمل استخدام تركيا للقضية السورية كورقة مساومة على صعيد علاقاتها الخارجية، أو على صعيد كسب الشعبية الداخلية.
بالمجمل، إذا أخذنا بعين الاعتبار تصريحات المسؤولين الأتراك مؤخراً ووضعناها في قالب التحليلات يبدو أن عام 2022 سوف يشهد انقلابات كبيرة في العلاقات التركية مع الخارج والتي يؤمل منها أن تنعكس بمزايا اقتصادية كبيرة على البلاد والعباد.
ولعل أبرز هذه التصريحات تلك التي صدرت قبل أيام من المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، وكشف فيها أن عام 2022 سيكون عام انفتاحات إقليمية جديدة، وسيشهد تسارعاً في خطوات التطبيع، وقوله:”لا نترك أي يد ممدودة لنا معلقة في الهواء، ونخطو خطوتين نحو كل من يخطو خطوة ودية تجاهنا.. نحن حريصون على تجاوز الأزمات والتوترات المرحلية، والإقدام على خطوات تطبيع جديدة”، وإشارته إلى أن الخطوات التي أقدمت عليها حكومته مؤخراً مع مصر والإمارات العربية المتحدة تأتي في هذا الإطار، ويمكن أن يتبع ذلك خطوات أخرى تسهم في تحقيق المصالح القومية لتركيا ورؤيتها الإقليمية والسلم العالمي.
وعليه، يبدو أن سياسة الحكومة سواء الداخلية أو الخارجية خلال عام 2022 سوف تدور في فلك تعزيز ودعم شعبية الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم في مقابل تكثيف المعارضة لتحركاتها الهادفة إلى اجتذاب المزيد والمزيد من المواطنين إلى صفهم..
بالتالي، فإن نتائج تحركات الحكومة أو المعارضة التركية خلال عام 2022، إما أن ترسخ موقع أردوغان كرئيس صاحب الشعبية الأعلى في تاريخ تركيا الحديثة، باعتباره صاحب أطول مدة بقاء في السلطة أو أن تشهد تبدلاً في قرارات الأتراك، لأول مرة منذ عشرين عاماً، بترجيحهم كفة المعارضة التي سيتم تفويضها شعبياً بأصعب مهمة في حياتها خصوصاً فيما يخص ملف التعامل مع الاقتصاد المتراجع في البلاد.
المصادر
↑1 | خاص سراي بوست |
---|