تكنولوجيا

من اللوح الأسود إلى اللوح الإلكتروني.. هكذا أصبح التعليم في ظل الثورة الصناعية الرابعة

حتى نهاية القرن الـ18، كان الطلاب في أوروبا وأميركا يستخدمون ألواحاً فردية ذات إطارات خشبية. وفي عام 1801، ظهر اللوح الأسود الكبير لأول مرة على يد جيمس بيلانز، المدير ومعلم الجغرافيا في المدرسة الثانوية القديمة في إدنبرة بإسكتلندا، ثم انتشر استخدامه تدريجياً في المدارس في معظم بلدان العالم.

استمر استخدام اللوح الأسود في الفصول الدراسية حتى ستينيات القرن الماضي حيث بدء استبداله باللوح الأخضر المقاوم للماء، كونه أكثر راحة للعين وأفضل لمسح الكتابة. وفي ثمانينيات القرن الماضي بدأ اللوح الأبيض يحل مكان اللوحين الأسود والأخضر في الفصول المدرسية تدريجياً، نظراً لاستبداله الطباشير بأقلام الحبر الجاف الذي لا يترك أي آثر للكتابة بعد مسحه.

وفي عام 1991 ظهر اللوح الأبيض التفاعلي، المتصل بالحاسوب والإنترنت والذي يتيح للمدرسين والطلاب التفاعل مع النصوص والرسوم المعروض عليه بأداة أو بالأصبع فقط، ولهذا انتشر استخدامه بسرعة في العديد من مدارس البلدان الغنية.

ومع بداية القرن الـ21 تزايد استخدام اللوح الأبيض التفاعلي متعدد اللمس في المدارس. كونه يسمح بلمس اللوح بالأصابع في عدة مناطق بآن واحد والتحكم بها (مثلاً يوجد لوح أبيض تفاعلي واحد لكل 22 طالباً في هولندا، وفق المسح الذي أجرته المفوضية الأوروبية عام 2018).

بدأت بعض المدارس حديثاً باستخدام الواقع الممتد (XR) الذي يضم الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) والواقع المختلط (MR)، ضمن مناهجها، لكن استخدام الواقع الافتراضي والمعزز بدأ قبل عدة سنوات.

تدعم هذه الأدوات الإبداعية المتطورة مستوى انغماس الطلاب في بيئات من المتعذر تكرارها في الفصل الدراسي، مما يسمح لهم بتجسيد مفاهيم واكتساب مهارات جديدة بطريقة ممتعة وجذابة.

ورغم أهمية استخدام هذه التقنيات الحديثة في التعليم، فإن أقل من 10% من المدارس الأميركية تستخدمها وفق المسح الذي أجرته مؤسسة “بروجكت تومورو” عام 2019، لكن انتشار وباء كوفيد-19 شجع على نمو استخدام هذه التقنيات في عملية التعلم، ومن المتوقع استمرار ذلك حتى بعد انحسار الوباء.

بفضل التطور التقني، أصبح بالإمكان التسجيل في برنامج جامعي عن بعد، تحاضر فيه أفضل العقول والمختصين في العالم والحصول على الدرجات العلمية التي تلقى احتراماً وقبولاً واسعاً من رجال الأعمال.

يمكنك أن تجلس في غرفة تبعد آلاف الكيلومترات عن إحدى الجامعات المرموقة حيث توجد كاميرا فيديو في مقدمة الغرفة تستخدم للتعرف عليك من خلال تحليل وجهك، فتسجل حضورك بل وتتعرف على درجة انتباهك واستجابتك عبر تقنية تتبع حركة العين (Eye Tracking)، فربما تكون مريضاً وغير قادر على التركيز.

يتم إدخال كل هذه البيانات في ملف التعريف الخاص بك، ويتم إنشاء واجب منزلي مخصص لك، حيث يمكنك الاستعانة عبر الإنترنت بمرشد ملائم للموضوع الذي تعمل عليه.

لم يقتصر التطور على التقنيات بل شمل أسلوب التعليم جذرياً من خلال ترقية عملية التدريس (Teaching) إلى التعلم (learning)، والتعاون (cooperation) إلى التشارك (Collaboration)، والبحث (research) إلى الابتكار (innovation)، والخدمة (service) إلى الالتزام (engagement).

لعبت المفاهيم السابقة دوراً رئيسياً في ابتكار نظام تعليمي جديد أطلق عليه اسم التعلم القائم على الظواهر أو التعلم القائم على المشاريع (project-based learning)، وكانت فنلندا رائدة في تطبيق هذا النظام حيث بدأت بتجربته منذ الثمانينيات.

وفي عام 2016 ومع تغيير المناهج التعليمية في فنلندا أصبح مطلوباً تطبيقه في جميع المدارس الأساسية للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و16 عاماً، إلى جانب النظام التقليدي القائم على تدريس المواد كالرياضيات والعلوم واللغة والتاريخ وغيرها.

في الطريقة الجديدة يتم تقسيم الصف إلى مجموعات حيث تتولى كل مجموعة البحث في ظاهرة مختلفة من خلال الإنترنت والاستبيانات والأدوات الإحصائية، وزيارة المراكز العلمية والمتاحف، وباستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية كالطابعات ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي، ومن ثم تعرض كل مجموعة نتائج بحثها إلى الفصل الدراسي بأكمله حيث تجري مناقشتها معهم.