
بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص-سراي بوست
“الضرورات تبيح المحظورات”.. مقولة تكاد تنطبق على ما يحدث في هذه الأيام على خط “أنقرة” و”تل أبيب” من مساعي للتطبيع والتصالح يبذلها كلا الطرفين لإصلاح العلاقات التي شابها الكثير من المواقف والتصريحات “شبه العدائية” خلال السنوات الماضية.
الكثيرون ربما استغربوا “الرسائل الدافئة” التي ترسلها تركيا إلى إسرائيل منذ أشهر غير قليلة بعد أن كانت الأصوات التركية ممثلة بالدرجة الأولى بالرئيس رجب طيب أردوغان تتعالى بانتقادات لاذعة نتيجة الممارسات الإسرائيلية البشعة بحق الفلسطينيين والتي وصلت إلى حد المقاطعة الدبلوماسية، كان آخرها في عام 2018 حين طردت “أنقرة” السفير الإسرائيلي من تركيا بسبب المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق المتظاهرين السلميين على حدود قطاع “غزة” خلال مظاهرة العودة في ذكرى “النكبة” التي اُستشهد فيها عشرات الفلسطينيين.
لكن وكما يقول المثل “إذ عُرف السبب، بطل العجب”، حيث أن التحولات المفصلية والفارقة التي يشهدها العالم والشرق الأوسط، وضرورة مواكبة التغييرات التي أنتجتها عمليات التطبيع الإسرائيلية مع عدد واسع من دول المنطقة إلى جانب الوضع الاقتصادي الذي يغرق فيه عالمنا اليوم، يتطلب عقد تحالفات جديدة، وتعزيز أخرى، وخطوات جريئة حتى يتمكن الجميع من عبور هذه المرحلة بسلام.
حتى وإن بقيت في قلوب الشعوب ما فيها من ضوابط وجفاء وجرح صعب الالتئام إزاء الممارسات بل والوجود الإسرائيلي ككل في منطقتنا، لكن السياسة وكل المصالح المتعلقة بها تحتاج إلى المرونة والبرغماتية والتمطط الدبلوماسي في بعض الأحيان لتبريد الأجواء.. وهذا ما نستدلّه من تصريحات الرئيس أردوغان عندما كشف مؤخراً عن أن نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ سيزور تركيا في مارس/آذار المقبل، وإشارته إلى الأهمية الحيوية للعلاقات مع إسرائيل في أمن واستقرار المنطقة، وتأكيده على أن “العلاقات بين البلدين يتقدم في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية ضمن مسارها رغم اختلاف الرأي حول القضية الفلسطينية”.
تصريحات أردوغان تأتي في وقت تحاول فيه تركيا تعديل سياساتها الخارجية مع دول كانت تكن لها العداء في السابق أو شابت علاقاتها معها عدة ملفات خلافية وشائكة مثل السعودية، الإمارات، مصر، وأرمينيا وأخرهم إسرائيل في ظل إدراكها للواقع الجديد للمنطقة والذي يفرض عليها التماشي مع هذه التحولات، والانفتاح على المنافسين وحتى الأعداء بما يمهد لها تأمين البلاد بتحالفات تكتيكية جديدة والانخراط بقوة في أكثر من ملف على الساحة الإقليمية والدولية لا سيما أن هناك قلق متزايد في “أنقرة” من ملف الغاز، والذي يبدو سببا رئيسيا دفع بالرئيس إردوغان لمراجعة علاقات بلاده مع “تل أبيب”، ليفتح بذلك الباب على وسعه أمام تعزيز مشاريع الطاقة مع “تل أبيب” خاصة بعد التحفظ الأمريكي على مشروع “إيست ميد”، وإمكانية توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية، والاتفاق على مشروع لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا.
أيضاً، تضع تركيا هدفاً رئيسياً في غاية الأهمية وراء تقاربها مع إسرائيل يتمثل بتفكيك الدعم الإسرائيلي لليونان أو على الأقل تحييده في مواجهة التحركات التركية شرق المتوسط خاصة لما تملكه إسرائيل من نفوذ وتأثير قوي جدا على الرأي والموقف الأمريكي في قبول المطالب اليونانية-القبرصية مقابل معارضة تركيا.
وهذا ما فعلته تركيا على مدار خلافاتها مع إسرائيل إذ على الرغم من حالة الشد والجذب التي اُتصفت بها العلاقات على مدار سنين وما صاحبها من انتقادات وتنديد بين الجانبين إلا أن ذلك لم يؤثر بتاتا على استمرارية التعاون والشراكة بين البلدين لاسيما الاقتصادية، العسكرية، والسياحية. وبلغة الأرقام، شهدت المعاملات التجارية بين تركيا وإسرائيل نمواً تصاعدياً منذ دخول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ عام 1997 ليصل إجمالي حجم التبادل التجاري في العام الماضي لوحده إلى 6 مليارات دولار.
وعليه، إذا وضعنا الإجماع الكبير في وسائل الإعلام التركية على ضرورة تحسين العلاقات مع إسرائيل لتعزيز الدور التركي في ملفات المنطقة الشائكة جنبا إلى جنب مع تصريحات رأس هرم الدولة التركية أردوغان وما تبعه من المسؤولين الأتراك في الدولة من إشارات دافئة، يمكن أن نستشف أن مؤشرات العلاقة بين تركيا وإسرائيل تذهب بسرعة الصاروخ إلى الأعلى، وستشهد نقلة نوعية في الفترة القادمة خصوصا أن “أنقرة” ترى أن عودة العلاقات قد تسهم إيجابياً في حل التعقيدات واستقرار وأمن المنطقة.
وعلى ما يبدو أن زيارة الرئيس الإسرائيلي ستضع النقاط على الحروف وتتوج مسار عودة العلاقات بين البلدين؛ فيما تبقى أسئلة مهمة تشغل بال الكثيرين: ما هو مدى حدود التطبيع بين البلدين، وعلى حساب من؟. وماذا سيكون الثمن؟..والأهم: هل سيؤدي هذا التطبيع إلى إحداث تغيير في سِياسة (تركيا-أردوغان) تُجاه حلفائه، وحركة “حماس” تحديدا؟؟؟؟
المصادر
↑1 | خاص-سراي بوست |
---|