
يحتفل المواطنون الأتراك داخل وخارج تركيا، في 29 تشرين الأول/أكتوبر من كل عام، بحدث هام يعد نقطة تحول في تاريخ تركيا، وهو عيد الجمهورية التركية الحديثة.
غدا الجمعة، ستحيي تركيا الذكرى ال98 لتأسيس الجمهورية في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1923، بإقامة فعاليات مختلفة في أنحاء البلاد كافة، يتذكر الشعب التركي في هذا اليوم التاريخي، بافتخار واعتزاز نضال وبطولات من ساهموا في تحقيق الانتصار بحرب الاستقلال التي تمتلك ماضٍ عريق يمتد لقرن من الزمان، والتي امتدت لأربع سنوات قدم خلالها الأتراك ألاف الشهداء والجرحى، بين عام 1919 و1923، نتيجة سقوط الخلافة العثمانية العظمى إبان الحرب العالمية الأولى، واستلاء دول الحلفاء الغربيين على الأراضي التركية.
وانتهت الحرب التي قادها الجيش التركي وعلى رأسه مصطفى كمال أتاتورك، باستقلال معظم أراضي الأناضول، ليعلن الأخير في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1923 عن تأسيس الجمهورية التركية الحديثة، ليرسخ هذا اليوم كعيدا وطنيا وعطلة مدفوعة الأجر.
يحتفل الأتراك بعيد تأسيس الجمهورية سنويا، برفع الأعلام الوطنية في كل مكان، وترديد النشيد الوطني، وإقامة حفلات للفلكلور العثماني في الساحات العامة والطرقات، وإقامة محاضرات وحفلات بهذه المناسبة، وتكون المواصلات في الكثير من الولايات الكبرى مجانية، مثل في إسطنبول وإزمير والعاصمة أنقرة.

الحرب العالمية الأولى وحقبة الاحتلال
بعد الهزيمة التي لحقت بالإمبراطورية العثمانية بنهاية الحرب العالمية الأولى جرى التوقيع في 30 أكتوبر 1918 على هدنة موندروس بين الإمبراطورية العثمانية ودول الحلفاء لإنهاء الصراع العسكري. قام وزير البحرية رؤوف بك بالنيابة عن الدولة العثمانية بالتوقيع على المعاهدة في البارجة أجاممنون الراسية في ميناء موندروس في جزيرة ليمني الواقعة في الشمال الشرقي من بحر إيجه التي أخذت اسمها منه.
دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1918 وتحتوي المعاهدة على 25 مادة قصيرة غاية في الأهميةحددت شروط وقف إطلاق النار بين الطرفين ووصفت بـ”شروط قاسية”.، ومن أهم شروط المعاهدة ما جاء في المادة السابعة حيث تنص بأنه “يحق لقوى الحلفاء احتلال أي منطقة استراتيجية في حال حدوث أي شيء يهدد أمن هذه الدول” وتكشف هذه الفقرة بشكل واضح وصريح عن نية دول الحلفاء احتلال وتقسيم الدولة العثمانية.
وما أن جرى التوقيع على هدنة موندروس بدأت دول الاستعمار الغربي بالانقضاض على أراضي الدولة العثمانية من الجهات الأربع وتقسيمها فيما بينهم، وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1918 رست سفن دول الحلفاء الممثلة بـ(بريطانيا، فرنسا، إيطاليا واليونان) في إسطنبول وقامت بإنزال قواتها على الأرض معلنه بذلك بدء الاحتلال الغربي للأراضي التركية.
وبعد إعلان الهدنة بأيام قليلة احتلت بريطانيا المناطق في جنوب شرق تركيا بهدف ربطها بالعراق الخاضع للاحتلال البريطاني آنذاك، واحتلت فرنسا المناطق والمدن الواقعة في جنوب غرب تركيا ومن أهمها أنطاكيا ومرسين وأضنة، وقامت إيطاليا باحتلال الشريط الساحلي الغربي وصولاً لعمق الأناضول ومن أهم المدن التي استولت عليها مدينة أنطاليا وموغله، واحتلت أرمينيا الجزء الشرقي كمدينة قارس بهدف توسيع مناطقها، واحتلت اليونان إزمير في الغرب والمدن الواقعة في شمال غرب بحر مرمرة المتمثلة إقليم تراقيا. وجرى فرض مزيد من الشروط “القاسية” بما يعرف بمعاهدة سيفر في 10 أغسطس/آب 1920.
النضال الشعبي وحرب الاستقلال
بعد مشاهدة بلاده تتفكك وتنهش من قبل قوى الاستعمار الغربي قدم مصطفى كمال أتاتورك استقالته من منصبه كقائد في الجيش في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1918 وتوجه بالقطار من مدينة أضنة الى إسطنبول وكل تفكيره ينصب حول كيفية تحرير بلاده من الاحتلال الغاشم ولتمكين بلاده وشعبه من كتابة التاريخ مجدداً.
قام أتاتورك بزيارة أهم مدن الأناضول كمدينة أرزروم و مدينة سيفاس وعقد فيها مؤتمرات واجتماعات شعبيه لتحشيد وتشجيع الشعب للمشاركة بحرب التحرير والاستقلال، وبعد وصوله لأنقرة قام بإنشاء أول مجلس نواب وطني في 23 نيسان 1920 وجرى انتخابه رئيساً للمجلس معلناً بأن أنقره هي العاصمة الجديدة وأن الحكومة المشكلة من طرف المجلس بأنقرة هي الممثل الوحيد للشعب التركي.
ركب أتاتورك سفينة بندرما في 16 مايو/أيار 1919 متوجها من إسطنبول إلى مدينة سامسون شمال تركيا على شاطئ البحر الأسود وما أن وصل هناك في 19 من الشهر نفسه بدأ بحشد الشعب وبقايا الجيش التركي المتفكك حينها لمواجهة قوى الاستعمار الغربي وكانت خطبته في سامسون هي الشعلة لبداية وتجسدت بعبارته الشهيرة “إما الاستقلال أو الموت” واستمرت حرب الاستقلال ما يقرب من الأربع سنوات تكللت بتحرير البلاد وإعلان الجمهورية التركية الحديثة.
بعد التضحية الكبيرة التي قدمها الشعب والجيش سوياً في معركة سقاريا الملحمية التي انتهت بهزيمة الجيش اليوناني المحتل في 13 سبتمبر/أيلول 1921 اضطر اليونانيون للانسحاب باتجاه مدينة إزمير غرباً، وبعدها بعام واحد فقط تم خلاله إعادة هيكلة الجيش وتحضيره لحرب التحرير النهائية جرى الانتصار على اليونانيين ودحرهم في البحر وبذلك أعلن تحرير إزمير في 9 سبتمبر/أيلول 1922.
وما إن وضعت حرب تحرير إزمير أوزارها جرى التوقيع على هدنة مودانيا في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1922 بين الجمهورية التركية ودول الحلفاء وبذلك تكون قد انتهت حرب التحرير والاستقلال فعلياً، وفي 24 يوليو/تموز 1923 جرى التوقيع على معاهدة لوزان التي اعترفت بالجمهورية التركية وسيادتها.
تأسيس الجمهورية التركية
بعد التوقيع على معاهدة لوزان والاعتراف باستقلال تركيا وسيادتها كان لابد من تحديد صيغة وطبيعة الحكم في الجمهورية الجديدة، وفي تاريخ 29 أكتوبر/تشرين الأول 1923 جرى الإعلان عن تأسيس الجمهورية التركية الحديثة واختيار النظام الجمهوري الديمقراطي كصيغة للحكم ومن بعد ذلك انتُخب مصطفى كمال اتاتورك رئيساً للدولة من قبل أعضاء مجلس الشعب في أنقرة وبدوره عين أتاتورك عصمت إينونو رئيساً للوزراء معلنين بذلك أول حكومة تركية في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1923.
وبنيت الجمهورية على فلسفة حكم يرتكز على مبادئ (الديمقراطية، العلمانية، والعدالة الاجتماعية) كأساس للجمهورية التركية الحديثة. أوليت مجالات التعليم والزراعة والصناعة أهمية خاصة في مرحلة بناء الجمهورية حيث بنيت المدارس والمصانع في أنحاء البلاد كافة وأعطيت المرأة حق الترشح والانتخاب بداية من الانتخابات المحلية عام 1930 ومن ثم توسعت لتشمل الانتخابات كافة في عام 1934.[1]TRT+NTP
المصادر
↑1 | TRT+NTP |
---|