
بقلم /طه عودة أوغلو/ باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية
24-6-2022م
زيارة تاريخية بكل المقاييس تحمل الكثير من المعاني والأهداف تلك التي قام بها ولي العهد السعودي بن سلمان إلى تركيا..
لا شك أن العنوان الأول للزيارة كان “التوافق على تطبيع العلاقات بشكل كامل دون قيد أو شرط”، هذا كان واضحا للعيان من خلال الاحتضان الأخوي للرئيس رجب طيب إردوغان لضيفه السعودي والمصافحات الحارة والاجتماعات التي جرت بين وفدي البلدين يُضاف إليها احتفاء إردوغان غير المسبوق حيث لم يكتف بإنارة برج “أتاكوله” بالعاصمة “أنقرة”، أحد أهم المعالم التركية الأثرية وأكبر برج فيها، بعبارة “الصداقة التركية-السعودية”، بل قام بنفسه بوداع ضيفه السعودي في المطار.
بنفس الشكل، استبق الأمير بن سلمان زيارته برفع القيود التجارية عن تركيا وإلغاء حظر السفر إليها، والسماح بعرض المسلسلات التلفزيونية مع رسائل إيجابية للغاية صدرت في وسائل الإعلام السعودية نقلا عن مسئولين سعوديين أكدت بما لا يدع للشك مجالا أن كلا الطرفين نجحا بالتلاقي في منتصف الطريق، لتتحرر العلاقات فعليا من أعباء المشاكل الماضية، وتبدأ بأخذ وضعها الطبيعي.
هناك عوامل كثيرة ساهمت بالتأكيد في تسريع مفعول التقارب السعودي-التركي وإصلاح ذات البيّن أهمها الظروف الحالية الاستثنائية والمتغيرات الكبيرة على مستوى المنطقة والعالم بالإضافة إلى المصالح المشتركة التي تطلب الكثير من المواقف البراغماتية للاستفادة من الفرص المستقبلية الواعدة.
لقد نجح الرئيس إردوغان بأخذ المبادرة والخطوة الأولى وإدارة دفة الأزمة بالاتجاه العكسي من خلال الزيارة التي قام بها قبل شهرين إلى
المملكة وفتح بها خط تواصل نشط، أكمله الأمير بن سلمان برده الزيارة.
وإذا وضعنا جانبا حقيقة أن العلاقات التاريخية والصلة الإسلامية الوثيقة تفرض من كل بد بقاء البلدين ضمن منظومة إقليمية موحدة، فإن المصالح الحيوية للبلدين والشعبين لها دورها أيضا..
فمن الجانب التركي، لا يخفى على أحد أن الاقتصاد منكمش حاليا في ظل انخفاض قيمة العملة مقابل الدولار، وارتفاع التضخم إلى أكثر من 70 بالمئة ومعه أسعار السلع الغذائية بشكل غير مسبوق..
بالتالي، فإن هّم الرئيس إردوغان بالدرجة الأولى حاليا هو إيجاد مخارج لهذه الأزمة الاقتصادية الخانقة، ولن يحدث هذا سريعا إلا عبر تعزيز العلاقات أولا مع الدول الخليجية، وفي مقدمتها السعودية التي تعتبر الأقوى والأقدر ماليا بالمحيط الإقليمي..
كما سيساعد التحسن الاقتصادي لتركيا في تحقيق تطلعات الرئيس إردوغان باستعادة الشعبية المطلقة قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في صيف عام 2023، وتفرغ حكومته لمواجهة المخاطر الاستراتيجية التي تحاصرها من ناحية اليونان بشرق المتوسط، والفصائل الكردية الانفصالية على حدودها السورية والعراقية.
وبالفعل، نجح إردوغان باستقطاب الاستثمارات الخليجية من باب إصلاح العلاقات مع الإمارات أولا ومن ثم بالحصول على اتفاقيات اقتصادية مهمة مع المملكة في مجالات عديدة مثل الطاقة، الاستثمارات، الدفاع، الثقافة، والسياحة.
أما من الناحية السعودية، مما لا شك فيه أن تغير المعادلات الإقليمية والدولية والصراعات والحروب في المنطقة أخرها الحرب الروسية-الأوكرانية، أثقلت كاهل دول المنطقة كلها وعلى رأسها الخليجية وهي بحاجة ماسة للتحالف مع دول لها ثقل وازن في المنطقة مثل تركيا التي لم تتأخر عن دعم المملكة، ووقفت إلى جانبها مع التحالف العربي وساندتها بقوة في “عاصفة الحزم” والدفاع عن الشرعية باليمن.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الطموحات الإيرانية التوسعية في المنطقة التي تمثل مصدر قلق كبير للسعودية خاصة والدول الخليجية عامة، فإن الحاجة للتآزر والتحالف الوثيق بين الدولتين تبرز أكثر لزيادة الضغط على إيران وكبح جماحها في المنطقة وضمان أمن واستقرار المنطقة.
ومن حيث التوقيت، تكتسب زيارة الأمير بن سلمان دلالة وأهمية كبيرة في رسم خارطة تحالفات إقليمية لتعزيز التعاون الاقتصادي لا سيما مع استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية التي تهدد بشح الغذاء العالمي من جهة، ومواجهة التهديد الإيراني من جهة أخرى على اعتبار أنها تسبق زيارة مهمة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، وحضوره قمة “جدة” في ظل حديث عن أن الرئيس بايدن يخطط لإقامة قوة عسكرية شرق أوسطية بقيادة أمريكية تشمل تركيا لمواجهة النفوذ الإيراني في ظل تنامي انتشار مخاطر الميليشيات المسلحة الممولة من إيران سواء في سوريا أو العراق أو اليمن.
ومع كل هذه المعطيات، يمكن القول أن زيارة الأمير بن سلمان كانت تاريخية بل مفصلية من حيث وضع النقاط على الحروف بإغلاق دائرة العداوة والقطيعة مع تركيا بالكامل وعودة العمل المشترك بين البلدين بشكل استراتيجي وأقوى بكثير سوف يفضي بدون أدنى شك إلى استكمال مرحلة التنسيق والمصالحة التركية-المصرية أيضا ما يعني دخول المنطقة بمرحلة جيواستراتيجية جديدة مقوماتها التحالف الإقليمي الأوسع ضد أي مهددات داخلية أو خارجية