28 مايو، 2025 | 11:50 صباحًا
مقالات كتّاب

هل المعارضة التركية قادرة فعلاً على منافسة أردوغان في الاستحقاق الانتخابي المقبل ؟

طه عودة أوغلو

بقلم/ طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص ـ سراي بوست

   هي مسافة أشهر قليلة فقط تفصل تركيا عن إنتخابات مصيرية لم تشهد من مثلها منذ حوالي عقدين من الزمن في ظل انقسام المشهد الانتخابي في البلاد حاليا إلى قسمين، “تحالف الشعب” لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، و”تحالف الأمة” لأحزاب المعارضة. ووفقا لبعض المراقبين، هذه الانتخابات تشكل منعطفا تاريخيا ومفترق طرق من حيث إمكانية أن يتمخض عنها ولأول مرة حكومة من المعارضة التي، وعلى ضعفها، تشير أغلبية استطلاعات الرأي الأخيرة إلى ميلان ميزان الأصوات الشعبية لصالحها أملا في تغيير الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.تحت هذا الأمل، عقد قادة 6 أحزاب في المعارضة التركية، السبت الماضي، اجتماعا لمناقشة أجندة التنسيق بين أحزاب المعارضة للمرحلة المقبلة بما في ذلك الاستعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، ومبادئ النظام البرلماني ضمن مسودة الدستور التي أعدتها هذه الأحزاب، والاتفاق لصالح مرشح توافقي واحد في الانتخابات المقبلة.هذا الاجتماع الذي كان الأول من نوعه الذي يجمع المعارضة بشكل رسمي على طاولة واحدة، كان من المفترض أن يكون بمثابة مرحلة استعداد قوية للانتخابات القادمة لكن ما تسرب عنه من أنباء تشير إلى أنه أخفق بإعطاء نموذج جيد في الشارع التركي وسط ما تداولته وسائل الإعلام من ادعاءات، منهم صحيفة “يني شفق”، من أن زعماء أربعة أحزاب وهم “الشعب الجمهوري”، “الجيد”، “السعادة” و”الديمقراطي” وجهوا انتقادات قاسية إلى زعيمي حزب “المستقبل” و”الديمقراطية والبناء” اللذين انشق مؤسساهما أحمد داوود أوغلو، وعلي باباجان، عن حزب “العدالة والتنمية” الحاكم على اعتبار أنهما كانا من أبرز قيادي الحزب الحاكم، وجزء مهم شارك في السياسة التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم؛ ما يعني أن المعارضة لا زالت مشتتة وعاجزة عن تشكيل جبهة انتخابية مُوحدة لحد الآن.  أيضا، هناك من يقول أن المعارضة التركية لا سيما حزب “الشعب الجمهوري” تعيش حاليا أبهى أيامها بعد أن أتاحت لها الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ عامين تقريبا مخرجا سياسيا من “دوامة الفشل” التي ظلت تدور في فلكها لأكثر من 19 عاما في منافسة الرئيس أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” الحاكم، وبأن المرحلة السيئة التي تعيشها البلاد وأثقلت كاهل الشعب، تنعش أملها جديا بالقفز نحو السلطة بشكل أسرع في الاستحقاق الانتخابي المقبل.لكن من يراقب أحوال المعارضة عن كثب يرى أنها ما زالت غير مستعدة تماما لنيل ثقة الشعب نظرا لإخفاقها في إدارة الصراعات داخل صفوفها، فكيف بها في السباق الرئاسي!!.. بل لعل كبيرهم حزب “الشعب الجمهوري” هو من أكثر الأحزاب التي تعيش حاليا فوضى ومنافسة داخلية صامتة تدور رحاها على أرض زعامة الحزب لدرجة الإعلان عن تأجيل المؤتمر الحزبي إلى ما بعد الانتخابات المقبلة ليكون في يوليو/تموز 2023 بعد أن كان من المقرر عقده نهاية العام الجاري وذلك بغرض أن يضمن كمال كليجدار أوغلو بقاءه كزعيم للحزب لغاية مرور عاصفة الانتخابات التي ستجري في صيف 2023. هذا التأجيل وإن دلّ، فإنه يدل على مشاعر الخوف وانعدام الثقة التي يشعر بها كليجدار أوغلو تجاه رئيس بلديته أكرم إمام أوغلو الذي لم يخف تطلعه للترشح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة لا سيما أن استطلاعات الرأي تؤكد أن شعبية إمام أوغلو أكبر بكثير من شعبية كليجدار أوغلو، فهو الرجل الوحيد الذي تمكن من انتزاع بلدية “إسطنبول” الكبرى من يد الحزب الحاكم أولا، والإسلاميين عموما لأول مرة  منذ أكثر من 40 عاما. وعليه؛ يدرك كليجدار أوغلو جيدا أنه اليوم في مأزق كبير، فهو ليس بصدد منافسة أردوغان فقط على الرئاسة بل وأيضا إمام أوغلو الذي يملك كل المقومات التي تؤهله لتزعم الحزب والرئاسة سواء من الناحية السياسية أو الشعبية.وإذ يجزم المراقبون أن الحزب الحاكم يتفوق على المعارضة من ناحية إجماع حلفاءه السياسيين في “تحالف الشعب” مثل “الحركة القومية” و”الوحدة الكبرى” اللذين يملكون نفس الإيديولوجية الإسلامية القومية، كمرشح وحيد لهم، فإن قوى المعارضة التي تندرج تحت اسم “تحالف الأمة” لا زالت مشتتة حتى الآن ما يستحيل جمعها في لائحة واحدة على اعتبار أنها تختلف تماما في الطباع والإيديولوجية والتوجهات والأهداف السياسية بسبب تضاد بل تنافر العناصر فيها بين اليسارية العلمانية، واليمينية القومية، والإسلامية، والكردية وهو ما يجعل اتفاقها على برنامج موحد أمر صعب للغاية، وهو ما برز واضحا في اجتماع “القادة الستة”. لا شك أن ضعف تحالف المعارضة وغياب أي بوادر للاتفاق بينها على مُرشح لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة ربما هي الأساس الذي يراهن عليه أردوغان لخدمه هدفه بالفوز في الانتخابات المقبلة.. وعليه، يمكن القول أنه ولحين إقرار انتخابات مبكرة، أو اقتراب موعد الانتخابات الأصلي منتصف 2023 سوف يتضح تدريجيا مدى تماسك المعارضة أو فشلها في تقديم مرشح موحد سواء من داخل أطر حزب “الشعب الجمهوري” أو مرشح توافقي مع الأحزاب الأخرى، ومدى انصياع جميع الطامحين للمنافسة بهذا القرار، وهو ما من شأنه إعطاء مؤشرات أوضح حول مدى حظوظ هذا المرشح في منافسة أردوغان بالانتخابات الأكثر تعقيدا منذ أكثر من عقدين.

المصادر

المصادر
1 خاص ـ سراي بوست