
بقلم/طه عودة أوغلو /باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1] خاص سراي بوست
من المعروف أن العلاقات بين تركيا وسلطنة عمان تعود إلى الحقبة العثمانية لأكثر من ثلاثة قرون وبدأت تشهد تطورا بطيئا مع قيام الجمهورية التركية وتأسيس العلاقات الدبلوماسية عام 1973 وافتتاح سفارتين في “أنقرة” عام 1985، وفي “مسقط” عام 1986. لكن مع ذلك، بقيت العلاقات تتسم بالبرودة والجفاء لعقود طويلة، ولم تكن بالتفاعل الملموس أو بالشكل الذي تحتمه المصالح والعلاقات الدولية. إلا أن عام 2020، كان بمثابة “عام التحول الجذري” بل يمكن تسجيله كمنعطف تاريخي أحدث انقلابا كاملا في مشهد العلاقات الثنائية ليحرك المياه الراكدة ويصطفيها إلى أعلى المستويات.
لا يخفى على أحد أن دفع مسار العلاقات بين البلدين جاء في سياق طبيعي للتقارب الذي حدث خاصة بعد وصول السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد الذي تولى الحكم في يناير 2020 إثر وفاة سلطان عمان السابق قابوس بن سعيد.
السلطان الجديد، ومنذ أن وصل إلى سدة الحكم وإفصاحه عن هدف تحقيق “رؤية 2040” الاستراتيجية، وهو يعمل على سياسة جديدة لتطوير العلاقات وصياغة مختلف أنواع الشراكات مع الدول الفاعلة إقليميا ودوليا وعلى رأسها تركيا نظرا لوزنها وثقلها على المستويين لا سيما أنها تأخذ أيضا مكانها ضمن مجموعة العشرين الأقوى اقتصاديا في العالم.
وبالمثل أيضا، ساهمت الجهود الحثيثة التي بذلتها حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان والزيارات المتبادلة في الفترة الأخيرة، آخرها زيارة نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي إلى السلطنة للتعزية بوفاة السلطان قابوس، وقبلها زيارة وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو إلى سلطنة عمان في فبراير الماضي، ساهمت في نسج نوع جديد من العلاقات يتناسب مع المرحلة الحالية، ويفتح أفاق جديدة وواسعة على كافة المستويات وذلك في مؤشر قوي على الرغبة الواضحة في إقامة جسر من الصداقة يتناسب مع ما يربط الشعبين الشقيقين من ود وأصالة ومصالح مشتركة في مجالات عديدة اقتصادية وتجارية وعسكرية.
وعلى مدار الأشهر الماضية قطعت العلاقات بين الطرفين أشواطا كبيرة على صعيد التعاون ككل بحيث لم تنقطع التصريحات الإيجابية من الطرفين أخرها كان على لسان السفيرة التركية لدى سلطنة عمان عائشة سوزين أوسلونر التي تحدثت في نهاية شهر أكتوبر الماضي عن خطوة تاريخية لتعزيز العلاقات بين البلدين من خلال تدشين مشروع إنشاء منطقة صناعية تركية في منطقة “الدقم”، وصفته بأنها “جاء بدعم لا يقدر بثمن من حكومة سلطنة عمان” من شأنه أن يحدث تحولا جذريا ويضيف بعدا غاية في الأهمية للعلاقات والتعاون الاقتصادي ولتحقيق الازدهار في التبادلات التجارية بين البلدين.
ومما لا شك فيه أن سلطنة عمان أيضا تراهن على العلاقة مع تركيا كنتيجة طبيعية في إطار التوازنات الاقتصادية الدولية الجديدة حيث تعتبر تركيا شريكا اقتصاديا واعدا جدا بالنسبة لها، بالإضافة إلى حقيقة أن العلاقات الجيدة بين البلدين تقوم على أسس ثابتة وبدون أي أهداف أو مطالب سياسية بل الاقتصاد هو الباب الأهم الذي يركز على فتحه كلا الطرفين كممر لتوثيق التعاون في المجالات الأخرى.
ويرى المراقبون أن التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والاستثماري يتصدر المرحلة الحالية من العلاقات بين البلدين مع بلوغ حجم الاستثمارات التركية في عُمان 8 مليارات دولار حيث تعمل 20 شركة في مجال البناء والتشييد، في حين توجد 11 شركة عُمانية في تركيا تقوم باستثمارات قيمتها نحو 10 ملايين دولار، في مجال التعدين والاستيراد والتصدير والعقارات. ووفقا للتقرير الصادر عن الغرفة التجارية العُمانية بشهر فبرايرد 2020، فإن التجارة الثنائية بين البلدين ارتفعت بنسبة 10 بالمائة في 2020، كما تجاوز حجم التبادل التجاري إلى 600 مليون دولار.
كما بدأت العلاقات العسكرية والدفاعية بين “أنقرة” و”مسقط” أيضا تشهد تطورا بالتوازي مع هذا الخط حيث احتلت سلطنة عُمان عام 2018 المرتبة الثالثة من حيث مستوردي الأسلحة من تركيا بواقع 150.5 مليون دولار. وفي مايو 2020، أعلنت سلطنة عُمان استلامها لزوارق سريعة من نوع “هرقل” مصنعة في تركيا؛ ضمن اتفاقية موقعة معها لتصنيع 14 زورقا.
في الخلاصة..
يمكن القول أن توثيق العلاقات التركية-العمانية يبقى الخيار الوحيد في عالم مليء بالتحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية غير المسبوقة الأمر الذي يفرض حتمية المشاركة في صنع وصياغة شراكات إقليمية قوية تنسجم مع هدف زيادة قوة وقدرات كلا البلدين في أخذ مكانة مهمة في حركة التوازنات العالمية المستحدثة.
المصادر
↑1 | خاص سراي بوست |
---|