مقالات كتّاب

هل روسيا مقتنعة بتركيا كوسيط محايد في الأزمة الأوكرانية ؟

طه عودة
طه عودة

بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص-سراي بوست

بينما يراقب العالم بقلق شديد طبول الحرب التي تدق على خط موسكو-كييف، ما زالت الزيارة التي قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أوكرانيا تلقي بثقلها الغامض والمجهول، وما إذا كان قد حقق أي تقدم ملموس على الجانب الروسي في مسألة الوساطة التي عرضها لتهدئة الأوضاع بين البلدين.
أقول الرد الروسي، على اعتبار أن أوكرانيا أعلنت موافقتها بينما ما زالت “موسكو” تماطل لحد الآن مما دفع بالكثير من الخبراء والمحللين إلى التكهن أن “العرض لم يجد قبولا من الروس”.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو التي أدلى بها، الخميس 10 فبراير 2022م، لتزيد أكثر من زخم هذه التكهنات بقوله أن “موسكو” لم تتخل تماما عن خيار المفاوضات مع “كييف” بوساطة تركية، وأضاف:”أوكرانيا ردت بشكل إيجابي على مبادرتنا لإجراء محادثات مع روسيا.. وروسيا لم تغلق الباب بعد أمام المشاركة في مثل هذا الاجتماع لكن المناقشات مستمرة بما في ذلك تلك المتعلقة بتحديد المواعيد”.
بالنسبة لموقف تركيا-أردوغان حيال الأزمة الأوكرانية، هي كانت واضحة منذ البداية إذ لم تتردد لحظة في التأكيد، ومع كل مناسبة، استعدادها لبذل أقصى الجهود في سبيل رأب الصدع والحفاظ على القنوات الدبلوماسية مفتوحة بين أطراف الأزمة في المنطقة، وهو الأمر الذي دفعها، متفائلة، إلى عرض جهود الوساطة يقينا منها أنها ستكون الدولة التي تملك أفضل فرص وحظ للنجاح في تحقيق تقدم أسرع وملموس في حل الأزمة على أسس القانون الدولي نظراً لاعتبارات كثيرة أهمها العلاقات الشخصية والودية التي تجمع أردوغان بقيادة البلدين جنباً إلى جنب مع التوازن الدقيق الذي أوجدته تركيا في استراتيجية التعامل مع روسيا وأوكرانيا في حوض البحر الأسود.
لكن إذا قرأنا ما بين سطور التصريحات التي صدرت من “الكرملين”، قبل يومين سنجد فيها تحفظات ورسالة مهمة وجهها إلى تركيا بشكل غير مباشر عندما أعلن أن “الرئيس بوتين مستعد للقاء أي شخص “لكن” من الضروري فهم ما الذي سيناقش بهذا اللقاء وما هي نتيجته”.
وهنا يكمن مربط الفرس تحت كلمة “لكن” إذا يبدو واضحاً أن روسيا-بوتين لا تبدو مرتاحة كثيراً للوساطة التركية، وتنظر إليها بحذر وريبة ضمن علامات استفهام كثيرة تراودها لعل أهمها: ما هي الحلول الجديدة التي ستناقشها مع تركيا، وهي المنزعجة أساسا منها لتمسكها بتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا خاصة المتعلق بمنظومة الطائرة المسيرة وتأثيرها الذي يغير قواعد اللعبة في المنطقة لا سيما بعد أن وقعت أوكرانيا، نهاية الشهر الماضي، صفقة جديدة لاستلام طائرات تركية بدون طيار، من النوع المتطور “”Akinci”، طبعاً إلى جانب المواقف التركية المشهود لها بالتعاطف القوي مع “تتار القرم” ورفضها الولاية الروسية على شبه الجزيرة.
ولقد لاحظنا أنه منذ أسابيع لم تخرج سوى نبرة التصعيد سواء من جانب “موسكو” التي حشدت بعتاد كبير على الأرض ومناورات أو من جانب الدول الغربية التي تتخذ موقفاً واحداً بعيداً عن التنازلات ما يجعل التفاؤل بأي مساع لحل الأزمة الروسية-الأوكرانية في الوقت الحالي ضرب من الخيال، إذا لا يمكن لأحد أن يصدق احتمال تنازل روسيا عن أي من ثوابتها الاستراتيجية حتى وإن كانت الحرب ثمنها. بالتالي، تدرك تركيا صعوبة “الوساطة”، فهي ومهما حاولت أن تسير بحذر في تصريحاتها وردود أفعالها إزاء تحركات بوتين بشأن أوكرانيا، وتبتعد عن أي إجراءات قد يُنظر إليها على أنها تحدي علني لسياسة روسيا لكن في نفس الوقت هي لم تخف أبداً دعمها القوي لأوكرانيا التي تنامت العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية بينهما في السنوات الأخيرة بشكل كبير، وتأييدها لاستراتيجية “الناتو” بتوسيع وجوده في منطقة البحر الأسود، وهو ما يثير شكوك روسية حول التزام “أنقرة” باتفاقية “مونترو” لعام 1936، التي تعد أمراً حاسماً للمصالح الروسية في البحر الأسود.
وهذا يعني أن روسيا منكمشة حالياً، فهي لا تريد أن تخسر تركيا نظراً للمصالح الكبيرة التي تربطها بها لكن في نفس الوقت لديها شكوك حقيقة إزاء إمكانية حياديتها خصوصاً أنها تسير على نفس المسار الذي تتبناه الوجهة الأمريكية المنحازة أيضا لأوكرانيا.
وعليه، تبدو الصورة أمامنا اليوم ممثلة بروسيا وحلفائها في المنطقة من جهة وعلى رأسهم إيران، وفي المقلب الأخر الولايات المتحدة وحلفاءها ومنهم تركيا طبعا الملزمة كشريك في حلف “الناتو” أن تتخذ خطوات إلى جانب أمريكا وأوروبا أقرب منها إلى الروس. بالتالي لا تبدو تركيا ولا أي دولة أخرى، في الوقت الراهن، قادرة على التوسط في الأزمة بين البلدين لكن الموقف الأصعب دون شك بالنسبة لأنقرة سيكون في حال اتخذت الأطراف الأجنبية وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا خطوات تصب الزيت على النار في أوكرانيا لتجبر روسيا على الرد؛ عندها ستكون تركيا أمام خيارين أحلاهما مرّ إذ ستجد نفسها مضطرة للاختيار بين “موسكو” و”كييف”.. صحيح أن الرئيس أردوغان، وفي كل استراتيجياته السابقة أثبت مهارته في إيجاد التوازنات لكن واضح أن حرب أوكرانيا إذا وقعت، فإنها ستكون التحدي الأكبر الذي يواجهه في سياسته الخارجية منذ وصوله إلى الحكم.

المصادر

المصادر
1 خاص-سراي بوست