ماذا وراء زيارة وزير الخارجية الإيراني لتركيا، استعراض قوة أن إخفاء مخاوف حلف اقليمي جديد .

بقلم /طه عودة/ باحث الشأن التركي والعلاقات الدولية
1/7/2022م
رغم الجهود الإيرانية لتبسيط الأمور وإخفاء توترها المعلوم بالضرورة لكن على ما يبدو أن العلاقات التركية-الإيرانية هذه الأيام لا تبدو أنها تسير باتجاه أفضل الأحوال.
فلطالما عُرفت العلاقات التركية-الإيرانية ولعقود طويلة أنها تأخذ طابع “العلاقات السامة” حيث تحكمها المصالح من جهة، وكل صنوف بواعث القلق والتوتر من جهة أخرى.
بالتالي، فإن الظروف والموقع الجيوسياسي المهم للبلدين في المنطقة فرض عليهما دوما البحث عن فرص للتعاون ووضع العداوة جانبا، وإن كان بشكل مؤقت، إذ ليس من مصلحة البلدين خلق مواجهة في الوقت الذي تربطهما مصالح وأيضا حدود طويلة تشكل مصدر صداع دائم خصوصا بالنسبة لتركيا بسبب السلوك الإيراني غير المنضبط في تسهيل إدخال الانفصاليين الأكراد ومهاجرين غير شرعيين إلى الأراضي التركية.
لا بد وأن إيران أدركت أن هناك سيناريو كبير وخطير يتم طبخه على نار هادئة برعاية الولايات المتحدة وإسرائيل لعزلها تماما في المنطقة. وهذا السيناريو لا يشبه أبدا السيناريوهات القديمة، فهذا ما يمكن استنباطه من التصريحات التي أدلى بها الملك الأردني عبد الله الثاني لقناة “سي إن بي سي” عندما تحدث عن أنه يدعم أي جهود لإنشاء تحالف عسكري في الشرق الأوسط يمكن تسميته بحلف “الناتو شرق أوسطي” على غرار حلف شمال الأطلسي.
وهذه التصريحات تنسجم تماما مع ما كتبته وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية من أنه بموجب قانون مقترح من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، تعمل الولايات المتحدة مع إسرائيل وتسع دول عربية تضم دول التعاون الخليجي الست إضافة إلى الأردن ومصر والعراق لدمج الدفاعات الجوية بغرض ضمان سلامة هذه الدول الحليفة لأمريكا في الشرق الأوسط وحمايتهم من إيران وإحباط التهديدات القادمة من صواريخها البالستية وطائراتها المسيّرة.
وتشير التقارير المسّربة عن الاستعداد لتشكيل هذا الحلف أثناء القمة العربية-الأمريكية التي تستضيفها السعودية منتصف الشهر المقبل بمشاركة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وعليه، لا يمكن قراءة توقيت زيارة وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان إلى “أنقرة” والتي كانت مقررة قبل نحو 3 أسابيع، وتأجلت آنذاك لأسباب غير معلنة، بمعزل عن حقيقة أنها جاءت بعد أيام فقط من زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومن بعده وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى “أنقرة”، وقبل أيام قليلة من القمة العربية-الأمريكية في السعودية، وهي تحركات تحمل بالتأكيد أهمية خاصة من حيث شبك المصالح وبناء تحالفات جديدة وجدية في المنطقة.
لا بد أن إيران استشعرت أن التحركات التركية السريعة والمصالحات المفاجئة خصوصا مع الإمارات والسعودية وإسرائيل هدفها أبعد بكثير من أن يكون عنوانه “اقتصادي” فقط، إذ لا بد وأن تركيا أيضا والتي تعد الحليف الأقوى في المنطقة للولايات المتحدة وأيضا في حلف “الناتو”، سوف تكون من العواميد الرئيسية التي ترفع هذا التحالف الجديد.
وعلى هذا الأساس، يمكن اعتبار أن هذه الزيارة الإيرانية لم تكن عادية بالمطلق بل محملة بالقلق والهواجس ومحاولة يائسة لعرقلة جهود أمريكية-إسرائيلية لضرب العلاقة الإيرانية مع تركيا، وهذا ما أسّر به وزير الخارجية الإيراني في مؤتمر صحفي مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو عندما قال أن اتهامات وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لبيد لإيران بتدبير مؤامرة لإيذاء الإسرائيليين في “اسطنبول” هي “سخيفة ومضحكة، وهدفها الإضرار بالعلاقات الإيرانية-التركية”، ولعل هذا ما دفعه أيضا إلى التصريح بكلمات كانت صاعقة لكل من سمعها عندما قال أن إيران -الحليف الوثيق للنظام السوري- تتفهم المخاوف الأمنية لتركيا وضرورة تنفيذ القوات التركية لعملية عسكرية ضد ميليشيا “قسد” في شمال سوريا”، وزاد عليها أنه يجري التحضير مع تركيا لوثيقة تعاون شامل طويل الأمد لتنمية العلاقات بين البلدين.
صحيح أن هذه التصريحات الإيرانية لا تتعدى كونها تكتيكية وليس استراتيجية في ظل المتغيرات الجديدة في المنطقة؛ بمعنى أنه لا يمكن لإيران أن تقبل بعملية عسكرية في سوريا تتضرر هي بسببها لكن هي تحاول نوعا ما تخفيف التوتر مع تركيا لعلمها أن هناك تحالفا إقليميا خطيرا على وشك أن يتشكل ضدها، وتريد أن تكون تركيا خارجه.
العلاقات التركية-الإيرانية لم تكن يوما علاقة حلفاء بشكل كامل على الرغم من حرصهما على ضبط بوصلة خلافاتهما في كثير من الأوقات لكن دائما كانت العلاقات تشهد تضاربا للمصالح حيث تسعى كل دولة إلى تأسيس مناطق نفوذها الخاصة، وهو ما يخلق التنافس الذي ربما بدأ اليوم يقترب أكثر من أي وقت من حافة الانفجار خصوصا إذا قررت تركيا أخذ مكانها في التحالف الشرق الأوسطي الجدي والذي هو أمر لا مفر منه.. وهذا الانضمام التركي قد يكون المسمار الأخير في نعش إيران لتُترك في عزلة إقليمية تامة وشاملة مع صداماتها وصراعاتها في السياسات الدولية والإقليمية.