بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص لصحيفة سراي بوست
تحول كبير شهدته العلاقات التركية-الإماراتية في الأسابيع الأخيرة الماضية دشنتها الزيارة المهمة التي قام بها مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى تركيا على رأس وفد إماراتي رفيع المستوى ولقاءه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعد قرابة الـ6 سنوات من تدهور العلاقات بين البلدين.
وهذا بالتأكيد يدخل ضمن المؤشرات الإيجابية على الأرض التي تبشر بكسر الجليد بين البلدين خصوصا في ظل التصريحات التي صدرت على لسان إردوغان وأعرب فيه عن تطلعه لإجراء مباحثات مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
هذه المؤشرات رسمت تفاهمات جديدة في مسار العلاقات بين البلدَين رغم القطيعة الدبلوماسية بينهما وهي دلالة واضحة على الرغبة في تطبيع العلاقات بين البلدين لتعكس مرحلة جديدة بعد توتر شديد شهدته خلال العامين الماضيين على الصعيدين (السياسي والأمني).
ولعل العامل الاقتصادي والمصالح المنتظرة من وراءه يأتي في مقدمة الأسباب التي دفعت بتركيا إلى الجنوح نحو نوع من إرساء التوازن في العلاقات مع الإمارات.
وهذا ما اتضح جليا مع كل كلمة نطقها الرئيس إردوغان في معرض تعقبيه على لقاءه بالشيخ طحنون بن زايد آل نهيان حين قال أنهما ناقشا خلال اللقاء مجالات ونوع الاستثمارات الممكن إقامتها لافتا إلى أنه دعا كلا من نائب رئيس صندوق الثروة السيادية ورئيس مكتب الاستثمار التركيين لحضور الاجتماع.
وأوضح أنهم بحثوا خارطة الطريق المتعلقة بالاستثمارات، وأضاف:”لقد حددنا كيف ومن سيتخذ الخطوات على خارطة الطريق.. لديها أهداف وخطط استثمارية جادة للغاية”، مؤكدا ثقته في أن تقوم الإمارات قريبا باستثمارات كبيرة في بلاده.
وما يعزز فكرة أن المصلحة الاقتصادية أولا هي حقيقة أنه على الرغم من القطيعة السياسية بين البلدين إلا أن العلاقات الثنائية في مجالات التجارة والاستثمار والسياحة ظلت قوية حيث بلغت حصة الاستثمارات الإماراتية 3% من مجمل الاستثمارات الأجنبية في تركيا.
لكن الأكيد أن الضغط على زر عودة العلاقات مع الإمارات كان الأصعب في مسار العلاقات التركية-الخليجية بالنسبة للشعب التركي.
فهناك من المراقبين من يرى أن تركيز إردوغان على ذكر محاسن الاستثمارات الضخمة المتوقعة للإمارات في تركيا على أنها بمثابة ترك مساحة أمام الشعب ليهضم فكرة إعادة العلاقات إلى طبيعتها مع دولة مثل الإمارات كانت “أنقرة” تعتبرها لغاية الشهر الفائت من ألد أعداءها في المنطقة.
وبالتالي، أن يخرج إردوغان ليقول وبكل بساطة أننا أصلحنا العلاقات مع الإمارات، هو أمر لم يكن الشعب التركي ليتقبله بسهولة ولا ليهضمه، لذا كان لا بد من الدفع بالمبررات الاقتصادية وما سيرافقها من تأثيرات إيجابية للنهضة بالاقتصاد التركي الذي يعيش منذ عام 2018 واقعا صعبا للغاية، مما يسهل الأمر ويساعد الحكومة في مساعيها للنزول عن شجرة العلاقات المتوترة بين البلدين.
على أية حال، يمكن القول أن المؤشرات الإيجابية في مسار العلاقات التركية-الإماراتية حدثت نتيجة الخطوات المتدرجة التي أقدمت عليها تركيا خلال الأشهر الماضية بعدما طرقت باب “القاهرة” أولا لتطبيع العلاقات ومن ثم تواصلت مع السعودية والإمارات والبحرين لرأب الصدع في علاقاتهم.
وأخيرا جاءت الزيارة الإماراتية لتكون بمثابة استكمال لهذا التحرك وهو أمر طبيعي في إطار السعي لتحقيق الاستدامة في تحسن العلاقات حيث حملت زيارة طحنون دلالات إيجابية للجانبين لما حظي به من استقبال مميز في تركيا، وهو ما عبر عنه الجانب الإماراتي باعتبار الزيارة نقطة تحول.
وطبقا للمراقبين، يبدو أن البلدين قررا أن يتصارحا أخيرا ويتصالحا مع طبيعة الخلافات القائمة بينهما والتي تدور بشكل كبير حول الملف المصري والموقف من الربيع العربي بصورة عامة.
وبنفس الشكل، بالبحث عن الأسباب والدوافع لهذا المتغير التركي، يبدو الرئيس الأمريكي جو بايدن في ظل المتطلبات الضاغطة للمرحلة الجديدة، هو القاسم المشترك لعدد من التطورات الإقليمية وعلى رأسها ترطيب العلاقات التركية-الإماراتية، وسعي “أنقرة” لفتح صفحة جديدة مع عدد من الدول الحليفة لواشنطن ومنها مصر السعودية والإمارات على اعتبار أن تطوير العلاقات التركية-الخليجية يمكن أن يخفف من حدة التوتر مع البيت الأبيض.
بالنظر إلى كل ما سبق، يبدو أن القرار قد اُتخذ في “أنقرة” بضرورة تطوير العلاقات مع الإمارات والباقي مجرد تفاصيل تتعلق بالوقت والشكل والأدوات. والأهم أن الإطار المتوقع له أن يحكم المسار الجديد للبلدين في المرحلة المقبلة سيكون قائما بالأساس على الأخذ بعين الاعتبار تقبل كلا الطرفين للاختلافات الموجودة في وجهات النظر وحتى المواقف إزاء بعض القضايا الخلافية في مقابل التركيز أكثر على الجانب والمصالح المشتركة بين البلدين وهو ما يخلق فرصة أخرى للدفع بالعلاقات قدما وإعطائها الزخم المطلوب في المستقبل القريب.