8 يونيو، 2025 | 11:10 صباحًا
مقالات كتّاب

ماذا يحدث خلف كواليس التطبيع التركي-المصري؟

بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية

5-8-2022م

فيما لا زالت عملية التطبيع الكامل في العلاقات بين تركيا ومصر تتقدم ببطء السلحفاة، ألقت تركيا، في الأيام الماضية، حجرا في المياه الراكدة مع مصر أملا بتحريكها من جديد في ظل قطيعة وخلافات سياسية مستمرة منذ عام 2013. الحجر ألقاه الرئيس رجب طيب إردوغان في مسعى ربما لاستكشاف النوايا المصرية تجاه تركيا، ونقلها إلى خطوات عملية.

إردوغان قال خلال حديثه، مساء الاثنين الفائت، على شاشة قناة هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية “تي أر تي” أن المباحثات التركية-المصرية متواصلة عند المستوى الأدنى، وليس هناك ما يمنع ارتقاءها إلى المستوى الرفيع، يكفي أن يكون هناك تفاهم متبادل”. كلام إردوغان جاء بعد أيام من تصريحات مماثلة صدرت من وزير خارجيته مولود جاووش أوغلو، ولفتخلالها إلى أن عملية التطبيع مع مصر تسير “بشكل بطيء نسبيا”، وهو الذي سبق له، وأن قال في شهر مايو/أيار المقبل “نحن سنعمل على اتخاذ خطوات إضافية مع مصر”.

واضح الكلام أن هذه الخطوات الإضافية لم تُتخذ بعد أو أن المشكلة تكمن في أن هذا الحراك التركي لا يقابله تحرك مواز من الجانب المصري بنفس القوة، إذ من اللافت أن التصريحات الصادرة من مصر لا تبدو بنفس مستوى أجواء التفاؤل التي يمكن ملاحظتها في تصريحات المسئولين الأتراك. صحيح أن تركيا ومصر عقدا جولتين من المحادثات في الأشهر الماضية لكن بقيت العديد من الملفات حجر عثرة أمام مسار استئناف العلاقات، على الأقل من وجهة النظر المصرية التي لا تبدو مستعجلة كثيرا على الانفتاح الكامل على تركيا في الوقت الحالي.
وهذا أمر واضح كالشمس على اعتبار أن “أنقرة”تحاول، منذ بداية العام الحالي، تفتيت كرة الثلج مع مصر، وإحداث أي خروق في جدار العلاقات المتصلبة منذ أكثر من 8 سنوات، وسط حزمة من التحديات الإقليمية والدولية تدفع بتركيا إلى تطوير استراتيجية “صفر مشاكل” مع محيطها والدول الإقليمية خصوصا مع مصر ذات الثقل والوزن المهم المنطقة، بهدف بلورة موقف إقليمي موحد لمواجهة هذه التحديات. وقد بدأت تركيا باستراتيجية صفر المشاكل أولا مع الإمارات ومن ثم السعودية وهي تحاول الآن تكرار نفس النموذج مع مصر، وحسم الملفات المؤجلة منذ سنوات.

ربما هذا ما دفع إردوغان إلى الدخول على الخط بنفسه، وتوكيد الرغبة التركية في تحسين العلاقات مع “القاهرة”. فمن المعروف أن التصريحات بخصوص التطورات المصرية وإنهاء حالة الجفاء معها كانت دائما ما تأتي من المسئولين في الحكومة التركية دون الرئيس. أما وقد دخل إردوغان على الخط، فهذا يعني احتمال كبير أنه قرر الذهاب إلى أبعد من التصريحات وتسريع مستوى العلاقات، واتخاذ تحركات وخطوات عملية خلال الفترة المقبلة تُخرج قنوات الاتصال بين البلدين من الدائرة الضيقة التي سُجنت فيها لأشهر، والمتمثلة بالأمن والاستراتيجية والاستخبارات، إلى مستويات أوسع وأرحب، وقد يكون أولها تعيين سفراء بشكل متبادل بين البلدين.
أيضا تحرك وتطور مهم في دلالته تمثل في أنتصريحات إردوغان وتشاورش أوغلو جاءت أيضا بعد أيام على لقاء استضافته تركيا بشأن ليبيا في 21 يوليو/تموز الحالي، وشهد مشاركة مصرية رفيعة المستوى، إلى جانب ممثلين عن كل من الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا.الاجتماع كان بمثابة الحدث الأول الذي يشارك فيه مسئول أمني مصري رفيع من جهاز المخابرات العامة الذي يتولى الإشراف على الملف الليبي من الجانب المصري.

وما يعزز من احتمال حدوث تقدم في مسار العلاقات التركية-المصرية في الفترة المقبلة هو أن كلا البلدين تجاوزا الخطاب الإعلامي والسياسي المضاد والتحريضي ضد بعضهما البعض، كما أن تركيا تجاوبت مع عدة مطالب مصرية مهمة وعلى رأسها ملف جماعة “الإخوان المسلمين”، وإغلاق القنوات المعارضة للنظام المصري، وهذا بالتأكيد يعطي مساحات كبيرة للتفاهم على أرضية مشتركة للتوصل إلى نقطة توازن حقيقية يمكن البناء عليها في تحقيق المكاسب للبلدين أولا وللمنطقة عموما.

وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن التطبيع المصري التركي -ولو في مستوياته المتدنية- مسألة وقت لا أكثر، في ظل التحديات الراهنة، غير أن هناك من يرى أن “القاهرة”، وبمنطق براغماتي بحت، تتعمد المماطلة والتجاهل النسبي لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من وراء الرغبة التركية بإنجاز خطوات سريعة في هذا الملف لكن دون غلق الباب بالكلية، على أمل أن تدفعبأنقرة لتقديم المزيد من التنازلات والتعاطي بمرونة أكبر مع التحفظات المصرية خاصة فيما يتعلق بملفي الإخوان وليبيا.
لا شك أن مصر مدركة أيضا للورقة المهمة التي تحملها في يدها، وتثير قلق تركيا بعض الشيء من إمكانية استبعادها مستقبلا من مشهد الطاقة في الشرق الأوسط، والمتمثلة بمنتدى “غاز شرق الأوسط” الذي أسسته أواخر عام 2020 مع سبع دول ومنها إسرائيل، واعتبرته “أنقرة” وقتها “تحالفا عدائيا” يستهدف حقوقها البحرية. ولا تخفي “أنقرة” أن أحد أهم الأسباب الرئيسية لتقاربها وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل هو التعاون معها في المشروع الضخم لنقل الغاز إلى أوروبا.

في النتيجة، هناك شيء يسمى بالواقعية السياسية، والمصالح الكبرى هي التي تتحكم بمسار العلاقات الدولية، وفي حالة مصر وتركيا، رأينا كيف أن القطيعة السياسية لم تؤثر على التبادل التجاري بين البلدين الذي اقترب من 5 مليارات دولار سنويا في السنوات الماضية، ما يعني أنه في عالم السياسة، فإن المصلحة هي المبدأ الأساسي والوقود الذي تعمل فيه، وبما أن كلا البلدين بحاجة إلى هذه الوقود على المدى الطويل لمواجهة التحديات الخطيرة الإقليمية والدولية، فهذا يعني أن التطبيع قادم، وهذه المرة سيكون بشكل أسرع.

Exit mobile version