مقالات كتّاب

تركيا والقضية الفلسطينية في ظل التحولات المتغيرة بالمنطقة

بقلم/ طه عودة أوغلو/ باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص سراي بوست

لا شك أن القضية الفلسطينية تحتل مكانة خاصة لدى تركيا إذ يكاد المجال لا يتسع لسرد مواقفها المناصرة لفلسطين حكومة وشعبا وأرضا.

فعلى مدار التاريخ، يمكن رؤية موقف تركيا التي تعد من أكبر الدول الداعمة للقضية الفلسطينية العادلة والنضال من أجل الحقوق سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي أو في المحافل الدولية خصوصا داخل الأمم المتحدة التي صوتت فيها منذ الستينات لصالح فلسطين ووقفت معها في كل المراحل التاريخية الصعبة التي مرت منها واتخذت بكل حزم مواقف سياسية ودبلوماسية حركّت معها الرأي العام الإقليمي والدولي ورفعت صوتها على أعلاه سواء من على منبر الأمم المتحدة أو منظمة التعاون الإسلامي وفي كل منتدى شاركت به داعية الجميع إلى تحمل المسئولية ضد التعسف والمجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين. 

لقد أعلنت تركيا تأييدها لكل المبادرات السلمية لتسوية الصراع العربي-الإسرائيلي من أول مبادرة “روجرز” في أغسطس/آب 1970، وقرار وقف إطلاق النار خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ورحبت بدعوات تنظيم مؤتمر دولي للسلام في “جنيف” بحضور أطراف النزاع وبرعاية أمريكية سوفييتية، وبعد اتفاقية السلام المصرية-الإسرائيلية عام 1979، أكدت على موقفها المطالب بالانسحاب “الإسرائيلي” من الأراضي العربية المحتلة في 5 يونيو/حزيران 1967. 

كما واعترفت تركيا بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1975 كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ثم سمحت للمنظمة بافتتاح مكتب لها في تركيا عام 1979، وبعدها اعترفت بإعلان الدولة الفلسطينية عام 1988.

وخلال العقدين الأخيرين، وبالتحديد بعد استلام حزب “العدالة والتنمية” دفة الحكم عام 2002، برز دور تركيا بشكل قوي في القضايا العربية والإسلامية، وتحول الخطاب السياسي التركي إلى خطاب داعم لكل القضايا المحقة وخاصة فلسطين التي تعتبر القضية المركزية للأمة الإسلامية على العموم.

لقد تبنى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية بكل قوة وثبات، وجعل منها مسألة محورية بالنسبة لبلاده ولم يدخر أي جهد في السعي نحو رفع الظلم عن الفلسطينيين والحفاظ على “المسجد الأقصى” المبارك، بل ومضى أكثر في تأسيس علاقات متميزة مع حركة “حماس” الفلسطينية على حساب العلاقات مع إسرائيل.

ولعل تاريخ الـ29 من يناير/كانون الثاني من عام 2009، كان مفصليا من حيث عودة القضية الفلسطينية إلى الأجندة العالمية بالموقف العظيم الذي سجله الرئيس إردوغان في قمة “دافوس” بمداخلته التي اشتهرت عالميا وأصبحت شعارا للقضية الفلسطينية والتي كانت باسم “دقيقة واحدة” حين ضحد فيها كل الأكاذيب والافتراءات التي تحدث عنها الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز ضد الفلسطينيين، ليعري إسرائيل مرة أخرى من ثوب “الحق الذي تدعيه”، وفي عقر دار أوروبا. 

أيضا مضت تركيا بقيادة رئيسها إردوغان لتسجل بعدا تاريخيا أخرا في مناصرة القضية الفلسطينية بتاريخ الـ31 من مايو/أيار 2010 حين اختلط الدم التركي بالفلسطيني في الهجوم الإسرائيلي الوحشي على أسطول الحرية لغزة الذي ضم “سفينة مرمرة” التي كانت محملة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية، وأسفر عن استشهاد 10 مواطنين أتراك.

كان هذا التاريخ مفصليا أيضا للعلاقات الدبلوماسية التركية-الإسرائيلية التي انحدرت إلى القاع حيث سحبت تركيا سفيرها من إسرائيل، واكتفت بتعيين ممثل لها على مستوى السكرتير الثاني، وهو ما يمكن اعتباره تحولا نوعيا في الموقف التركي من هذا الصراع منذ بدايته وحتى الآن.

ويشهد القاصي والداني على جهود ونشاط تركيا الإقليمي المتزايد والمتصاعد بالأقوال والأفعال في الدفاع عنها حيث دفعت حكومة “العدالة والتنمية” برئاسة إردوغان نحو تعزيز الزيارات التركية الرسمية لفلسطين وإسناد الشعب الفلسطيني بكل الدعم السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيره من الجوانب الأخرى، ونجح بتجييش الرأي العام التركي الذي بدأ يهتم بالفضية الفلسطينية ويدافع عنها بشكل لم يسبق له مثيل من خلال المظاهرات العارمة التي خرج بها مئات المرات لمناصرة الفلسطينيين.  

وعلى الرغم من كل هذه المواقف الصارمة والشامخة لصالح الفضية الفلسطينية، قد يستغرب البعض من تصريحات بعض المسئولين الأتراك مؤخرا عن احتمالية العودة التركية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل لكن برأي الكثيرين أنه لدى الأخذ بالتغيرات والتطورات التي تحدث على الصعيد الإقليمي والعالمي، فإن الحزب الحاكم في تركيا بزعامة الرئيس إردوغان يدرك أهمية إحداث نوع من التوازن في ظل عوامل تفرض عليه إدامة التواصل الدبلوماسي مع إسرائيل في سبيل الإبقاء على علاقات متميزة مع  أوروبا، ودخول الاتحاد الأوروبي، وعدم إغضاب الولايات المتحدة بل هو يرى أن إعادة ضبط إيقاع العلاقات مع إسرائيل سيكون أيضا في مصلحة القضية الفلسطينية.

هذا ما يمكن فهمه من التصريحات الرسمية التركية التي وردت على لسان الرئيس إردوغان قبل شهرين وقال فيها أن “إحراز أي تقدم لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي سيخدم علاقات تركيا وإسرائيل”، مشددا على أن “أي خطوات إيجابية سيتم اتخاذها للحل ستسهم أيضا في سير العلاقات التركية-الإسرائيلية بمنحى إيجابي”.

وبالمثل أيضا، وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو الذي أكد أنه “في حال أرادت إسرائيل إقامة علاقات طبيعية معنا، يجب عليها تغيير سياستها إزاء بعض القضايا” في تلميح منه إلى القضية الفلسطينية، ومؤكدا على أن “تركيا بقيادة رئيسها إردوغان لن تتخلى عن فلسطين”.

على العموم، يبدو أن الدور التركي إزاء القضية الفلسطينية يخضع حاليا إلى امتحان كبير بتأثير التطورات الأخيرة في المنطقة لكن الأكيد أن “أنقرة” سوف تستخدم كل نفوذها وعلاقاتها لتجعل من عملية التطبيع مع إسرائيل فرصة لإحياء جهود السلام من جديد.

المصادر[+]

المصادر
1 خاص سراي بوست
Exit mobile version