مقالات كتّاب

العلاقات التركية مع النظام السوري وارد ولكن بشروط

بقلم/طه عودة أوغلو /باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية[1]خاص- سراي بوست

بعد سنوات من القطيعة بأشكالها الدبلوماسية والاقتصادية، ثمة نقاش عميق يدور حالياً في الأوساط الإعلامية وخلف الكواليس السياسية حول إعادة تطبيع العلاقات التركية مع النظام السوري في ظل التصريحات الإيجابية الأخيرة التي تصدر من “أنقرة” لتسوية كل خلافاتها الإقليمية تزامناً مع الجهود التي بذلتها لتحسين العلاقات مع الإمارات وإسرائيل وأرمينيا، والتي تبذلها حاليا مع السعودية ومصر.

انطلاقاً من هذا النقاش، تحدثت صحيفة “حرييت” المقربة من الحكومة نقلاً عن مصادر وصفتها بالموثوقة أن “أنقرة” بدأت باتصالاتها الفعلية مع النظام السوري لكن على قاعدة تستند إلى 3 شروط أساسية لا جدل فيهم، نقلتهم إلى “دمشق” قبل زيارة بشار الأسد إلى الإمارات، وهي “الحفاظ على الهيكل الوحدوي ووحدة الأراضي السورية، وضمان أمن اللاجئين العائدين إلى بلادهم إضافة إلى مكافحة نشاط حزب العمال الكردستاني”.

والعام الماضي، ترددت شائعات حول محادثات سرية جرت بين تركيا والنظام عبر قنوات دبلوماسية تعتبر روسيا وسيطا فيها، وصاحبت هذه الشائعات تقارير تفيد أن مقربين من الرئيس رجب طيب أردوغان التقوا مع مسئولين في النظام وتحدثوا حول الحاجة إلى التفاوض مباشرة مع الأسد لتخفيف مشاكل تركيا في سوريا.

في كل الأحوال، لم تكن العلاقات التركية مع سوريا ونظام الحكم فيها منقطعة بالكامل على الأقل من الناحية الاستخباراية المعلنة حيث استمرت قنوات الاتصال مفتوحة بحسب ما صرح به وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو الذي أكد أن التواصل يحصل على مستوى المخابرات لكي تحافظ “أنقرة” على مكتسباتها ومصالحها في الشمال السوري.

وهنا، يجب التنويه إلى نقطة مهمة وهي أن تركيا ما زالت تنفرد بموقف صريح ومعلن يرفض بشكل قاطع أي حديث عن تطبيع العلاقات مع النظام، كما أن الموقف الرسمي التركي ما زال متمسكاً أيضا بالحل السياسي برعاية وإشراف الأمم المتحدة، لوقف الحرب لكن هذا لا يمنع أن “أنقرة” باستراتيجيتها العميقة تقرأ بوضوح أنه على الرغم من مرور 11 عاماً على الحرب السورية، فإن المجتمع الدولي نفسه ما زال أيضاً منقسماً بل وعاجزاً عن إيجاد حل نهائي للأزمة، بل حتى أنه في الأشهر الأخيرة بدأت العديد من الدول العربية بإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق على مستوى السفراء مثل الإمارات والبحرين والأردن وكذلك الزيارة المفاجئة والأولى خارجياً لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الإمارات والتي تضع الكثير من علامات الاستفهام حول تزامنها مع زيارة لوزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو لتخرج الأقلام الصحفية بادعاءات أن الإمارات كانت “المنطقة الوسطى” لأول لقاء دبلوماسي بين البلدين وأيضا الجهة الناقلة للشروط التركية الثلاث قبل زيارة الأسد إليها، مشيرة إلى أن موافقة النظام على هذه الشروط، حرك عجلة التصالح إلى الأمام.

وبالمثل أيضاً كثير من الدول الأوروبية بدأت تتحدث عن نيتها بإعادة فتح سفاراتها في دمشق مثل اليونان، وإيطاليا، واسبانيا. والمثير أن كل هذا الانفتاح جاء بالتزامن مع تغيير استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض.

وعليه، يبدو أن “أنقرة” التي تحركت، منذ مطلع العام الماضي، لفتح أبواب التواصل مع كل الدول الإقليمية التي كانت على خلاف معها على وقع المرحلة الاستثنائية التي تعيشها المنطقة من تحولات هيكلية واستراتيجية، بدأت تستند على افتراض واقعي أن مصلحتها الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية وحتى مصلحة المنطقة برمتها تقتضي إعادة تطبيع علاقاتها مع النظام الحاكم في دمشق. وقد تكون مصلحتها الأكبر هي بضمان عودة آمنة للاجئين السوريين الذين بدءوا يشكلون صداع مؤلم بالنسبة لحزب الرئيس أردوغان “العدالة والتنمية” وهو على أعتاب خوض انتخابات مصيرية في البلاد لا سيما أن ورقة اللاجئين والدعم المالي لهم تعد من أخطر الأوراق التي تلعبها المعارضة لتأليب الشعب ضد الحزب الحاكم، وهو ما يدفعه إلى اتخاذ خطوات أكثر مرونة تجاه النظام السوري.

اللافت هنا، أن الضغوط التي تمارسها المعارضة وعلى رأسها حزب “الشعب الجمهوري” العلماني، وحزب “الجيد” القومي، و”الوطن” اليساري بضرورة إعادة العلاقات مع النظام، وتأكيد زعماء هذه الأحزاب الثلاثة أن أول شيء سيفعلونه في حال فوزهم بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة، صيف العام المقبل، هو التطبيع مع النظام، يقدم خدمة كبيرة للحزب الحاكم من حيث منحه حرية أكبر في مناورة التطبيع مع النظام دون حرج. فإذا أخذنا بحقيقة أن تصريحات المعارضة كانت بمثابة استفتاء وجس نبض للشعب التركي من ناحية إعادة العلاقات مع النظام بعد كل المواقف المتشددة التي اتخذها الرئيس أردوغان ضد الأسد، نرى أنها أتت بأكلها حيث أن غالبية الشعب التركي إن لم نقل كله، يريد التخلص من مشكلة اللاجئين بأي طريقة، وإن كان الثمن هو التطبيع مع النظام. في المقلب الأخر، فإن حكومة “أنقرة” بفضل هذه الضغوطات، تتخلص أيضاً من حرج المعارضة السورية ومن خلفها كل من قد يتهمها لاحقاً بأنها تخلت عن القضية السورية، على قاعدة أن “الشعب يريد”.

وبناء على هذه المستجدات، يبدو واضحاً أن “أنقرة” تميل هذه المرة أيضا، أقصد في الشأن السوري، إلى اتخاذ “الخطوات البراغماتية” في سياستها الخارجية لمعالجة الكثير من مشاكلها وعلى رأسها اللاجئين، والاقتصاد المرهق. كما أن التطورات العالمية خصوصاً الحرب الروسية-الأوكرانية يجعل التوقيت الحالي جيداً لحل المشكلة السورية.

خلاصة الكلام أنه على الرغم من عدم توفر معطيات ملموسة حتى الآن عن التطبيع التركي مع النظام في سوريا لكن كل المؤشرات تذهب فعلياً باتجاه مساعي إعادة المياه إلى مجاريها وطي صفحة الخلافات في توقيت ليس ببعيد..

صحيح أنه بعد 11 عاما من التوتر وفتور العلاقات سيكون من الصعب إعادة الدفء للعلاقات كما كانت قبل عام 2011 لكن مع الخطوات التصحيحية وبعض التنازلات من الطرفين يمكن للزمن أن يداوي جرح الثقة بين البلدين لا سيما أنه على الرغم من كل الخلافات الجوهرية بين “أنقرة” و”دمشق” إلا أن هناك الكثير من الأسباب المبررة سياسياً وأمنياً تدفع باتجاه الحوار والتعاون بين الطرفين أهمها محاولات بعض الجهات الأجنبية المستفيدة من الفوضى السورية للشد والمط في الأزمة.

بالتالي، تبدو “أنقرة” مصممة بكل قوة في مساعيها للعودة إلى سياسة “تصفير المشاكل”، وإسراع الخطى لإقامة تعاون إقليمي يتيح الفرصة أمام تفعيل الطاقات الكامنة الكبيرة التي تمتلكها تركيا في كافة المجالات.

المصادر[+]

المصادر
1 خاص- سراي بوست
Exit mobile version