8 يونيو، 2025 | 9:48 صباحًا
مقالات كتّاب

الحرب الروسية-الأوكرانية.. هل ستنتهي بالسلام أم بدمار العالم؟

بقلم/طه عودة أوغلو /باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية[1]خاص- سراي بوست

مع استمرار التصريحات المتضاربة من قبل كل الأطراف المعنية بمحادثات السلام الروسية-الأوكرانية التي جرت في “اسطنبول” مؤخراً ، فإن الضبابية والغموض ما زال هو سيد الموقف بالنسبة لحقيقة ما آلت إليه تفاهمات التهدئة بين روسيا وأوكرانيا.

بالنظر إلى المشهد الدبلوماسي والعسكري الحالي وما يرافقه من تصريحات روسية، أوكرانية، تركية، غربية، أوروبية الخ.. نرى أنه غاية في التعقيد بكل ما للكلمة من معنى، فتارة تكون التصريحات متفائلة، وتارة أخرى متشائمة، وكأن الجهات المعنية بالأزمة وإن اختلفت في كل شيء، فإنها متفقة على تشويش العقول والمماطلة الدبلوماسية لإطالة عمر الحرب بدلا من حسمها.
ولعل أغرب المواقف والتصريحات هي تلك الصادرة عن الدب الروسي، فبينما يصف وزير الخارجية سيرغي لافروف مفاوضات “اسطنبول” مع الجانب الأوكراني، الثلاثاء، أنها “تطور إيجابي نحو الأمام”، ينوّه في نفس الوقت أن “المفاوضات ليست نتيجة نهائية”. نفس التصريحات الغريبة، صدرت عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الذي تحدث عن عدم حصول أي اختراقات في جولة مفاوضات “اسطنبول”بين وفدي “موسكو” و”كييف”.. اللهم ما عدا نقطة إيجابية واحدة تكمن بشروع الجانب الأوكراني في صياغة اقتراحاته ووضعها على الورق.

وأضاف:”لكن لا يزال يتعين علينا أداء العمل الذي سيستغرق وقتاً طويلا”. يعني حاصل الكلام الروسي، أن الحرب لا زالت في بدايتها، وهو ما يعني بدوره أن المفاوضات التي تجري “فارغة المضمون”؛ فالروس لن يقبلوا بتقديم أي تنازلات، بالتالي، هذه المفاوضات ليس إلا “مناورة نفسية” للإيقاع بالفريسة أوكرانيا حتى تلبي كل شروطهم.

ولا يسعنا القول إلى أن هذا العقل الروسي تمكن بالفعل من تطويع أوكرانيا مبدئياً إذ بدت مؤخراً وكأنها أكثر قبولاً للتسوية مع روسيا. نرى ذلك من خلال تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف الذي قال أن “تفهم الجانب الأوكراني بأن قضيتي القرم ودونباس تم حلهما نهائياً، ووضع أوكرانيا دولة محايدة وغير نووية، وضمان أمنها خارج إطار حلف الناتو، تقدماً مهماً. وهذا يعني، بحسب الروس، أن أوكرانيا أبدت استعدادها للقبول ببعض التنازلات في سبيل استمرار المفاوضات رغم أن الرئيس الأوكراني زيلنسكي نفسه يقول أن “المحادثات مستمرة لكن حاليا ليس هناك سوى كلام فقط”.

أما “واشنطن” فحدث ولا حرج، هي أيضاً تشكك بالنوايا الروسية من المفاوضات، وتقول أنها لم تر أي مؤشرات على “جدية حقيقة” من قبل روسيا، وبأن وقف إطلاق النار لم يتم بعد بل الحرب تتواصل على أشدها، وبالمثل أيضا تقول أوروبا.
أما إذا نظرنا إلى الدولة المضيفة للمحادثات أي تركيا، نرى أنها تبدو الدولة الوحيدة التي تحاول أن ترى “شعلة تفاؤل” في نفق الأزمة المعتم، أحدث التصريحات التي صدرت عن وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو تفيد باحتمال أن يعقد وزيرا الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف، والأوكراني دميتري كوليبا لقاءً جديداً بينهما في تركيا، خلال الأسبوعين المقبلين، معتبراً أن “أهم تقدم حتى الآن أُحرز في محادثات اسطنبول” الأخيرة أنه تم اتخاذ بعض الخطوات لتخفيف التوتر حتى لو أننا لا نرى ذلك كثيرا على الأرض”، ويضيف:”البعض يقول إنها مناورة تكتيكية..البعض يطرح شكوكا.. نحن حذرون”.

وبقراءة سريعة لتصريحات وزير الخارجية التركي، نرى أنه وعلى الرغم من محاولته إعطاء مساحة من التفاؤل على المحادثات، فإن تركيا وعلى لسانه تقول أنها ما زالت “حذرة” ذلك أن الواقع يؤكد أنه لم يتم إحراز أي تقدم جديد على الأرض من جهة روسيا التي وإن قلصت نشاطها بالقرب من “كييف” لكنها ما زالت تركز عملياتها العسكرية بقوة على “دونباس” والمنطقة الشرقية، ما يعني أنه لا يوجد أي تهدئة فعلية لغاية اللحظة.

وبعد هذا السرد السريع للمواقف الروسية-الأوكرانية ومعها الدولية، نستنج أن الخطط الموضوعة من وراء هذه الحرب هي أكبر بل وأخطر بكثير من حصرها بين بلدين (روسيا وأوكرانيا) أو قطبين (روسيا والغرب).. والسؤال الأهم، لماذا أقدمت الحكومة الأوكرانية في الأساس على استفزاز الدب الروسي، وتسببت بدمار واحتلال أرضها وتهجير شعبها، وهي أضعف من مواجهته..


صحيح أنها لا زالت تقاوم “بشراسة”، لكن في النتيجة الضرر كله عليها وليس على روسيا، قد يقول البعض أن أوكرانيا خُدعت وغرر بها من قبل الغرب خصوصا الولايات المتحدة، لكن السؤال: هل هي ساذجة لدرجة أن تظن أن العالم كله سيدخل في حرب مع روسيا من أجلها؟..

أوكرانيا ما قبل الحرب الروسية لم تكن عضوا “الناتو”، وأظن أنها أدركت بعد ما يقرب من الشهرين على الحرب الروسية أن “الناتو” لم ينفعها، فلماذا كل هذا الإصرار والتمسك بشرط لم يجلب لها سوى الدمار لأرضها والشتات لشعبها. وأيضا ما نستغربه كيف لروسيا بكل هيبتها وقوتها وأسلحتها المتطورة وأوراقها الثقيلة على الطاولة العالمية أن تعجز عن حسم الحرب لصالحها لحد الآن بل وتتحدث عن حرب طويلة الأمد..

واضح أن هناك مؤامرة مدروسة لقوة غامضة تتحكم في الأحداث السياسية بالعالم من خلف الستار، هذه القوة تريد حشر الشعوب في جهة واحدة، وتجبره على أن يطل من نافذة واحدة، وبأن ينظر إلى صورة افتراضية واحدة، هي صنعتها بينما تمضي في تنفيذ مخططاتها.
فها هو العالم كله لا حديث له سوى عن هذه الحرب، وكذلك الشعوب المغلوبة على أمرها التي لم تلبث أن خرجت من كارثة فيروس “كورونا” حتى وجدت نفسها في مخالب هذه الحرب وويلاتها الاقتصادية عليها. بمعنى أن هذه القوة تحاول إشغال الشعوب بالحرب الأوكرانية-الروسية ومن ورائها افتعال الأزمات الاقتصادية والمجاعة ونشر الرعب والخوف من المستقبل المجهول بينما نحن في الواقع نعيش حرب عالمية ثالثة هي الأخطر على الإطلاق في تاريخ البشرية؟.. لماذا؟ لأن هذه الحرب ليست بين الدول لحماية أرضها وشعبها بل هي حرب من صناع القرار في العالم على شعوبهم لإجهاض تطلعاتهم في الحياة وتحويلها إلى مأساة، ووضعهم في حالة من الضعف والعجز في أنهم لا يملكون القدرة على تغيير مصيرهم ومستقبلهم.

المصادر[+]

المصادر
1 خاص- سراي بوست
Exit mobile version