مقالات كتّاب

هل يمكن الحديث عن نضوج عملية التطبيع بين أنقرة والرياض؟

بقلم/طه عودة أوغلو /باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية[1]خاص- سراي بوست

رغم أن التقارب الدبلوماسي الذي حصل مؤخراً بين تركيا والإمارات شكلّ خطوة كبيرة باتجاه إنهاء حقبة الخلافات وفتح صفحة جديدة في سجل العلاقات التركية-الخليجية إلا أن خطوط الاتصال بين تركيا والمملكة العربية السعودية ما زالت مشوشة لحد الآن.
وبعد أن نجحت مساعي التطبيع مع الإمارات في الأشهر الأخيرة بإحداث اختراق كبير وتحقيق التقدم المأمول، وفي ظل العلاقات التركية الممتازة مع الكويت وعمان، وتحالفها الاستراتيجي مع قطر، تركز تركيا حالياً وبكل قوتها على روابط القنوات الخلفية لإنعاش العلاقات مع السعودية التي من الواضح أنها ما زالت تراوح مكانها على الرغم من كل التصريحات الإيجابية الصادرة من الجانب التركي.

هو أمر لا يختلف عليه اثنان من أن السعودية تعد من أهم دول الخليج التي تسعى تركيا لتطبيع العلاقات معها، وهذا بالتأكيد يعود لعوامل كثيرة أهمها أنها تعد المحرك الأول للدول الخليجية وخسارتها لا تعني فقط خسارة “الرياض” بل كذلك خسارة دول إقليمية أخرى، ولكونها أكبر بكثير وأكثر تنوعا سياسياً واقتصادياً من نظيراتها إلى جانب مكانتها الفريدة في العالم الإسلامي.
بالتالي، كان لافتاً محاولات الجانبين للإبقاء على شعرة معاوية خلال السنوات الماضية، واعتماد دبلوماسية المصالح ومحاولة تحقيق توازن في ظل الوضع الإقليمي الراهن والذي تبحث جهات مثل إيران على أي فتيل أزمة يمكن أن تزيد في إشعاله.

وعليه، يتضح جلياً أن تركيا لديها حساباتها الخاصة من وراء سعيها لإعادة التطبيع مع السعودية لعلمها أن العلاقات الجيدة مع الدول الخليجية لا يمكن أن تبقى ثابتة ومستقرة بدون موافقة ومصادقة المملكة التي تعتبر قوة كبيرة وديناميكية لا يستهان بها في المنطقة، بالتالي فإن التحالف معها له معنى وهدف استراتيجي في ظل المتغيرات في المنطقة والعالم.

وطيلة العقود الماضية، تميزت العلاقات التركية-السعودية بالتعاون والتقارب كانت آخر محطاته في يناير/كانون الثاني من عام 2015 بعد وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى حكم المملكة الذي أضفى الكثير لهذه العلاقات التي تـأسست تاريخياً على قاعدة تحقيق منافع متبادلة اقتصادية، ومواجهة تحديات مشتركة وبالأخص التحدي والنفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة، وهو ما انعكس على التشارك في دعم المعارضة السورية بمواجهة نظام بشار الأسد.

لكن على ما يبدو أن قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي أحدثت شرخاً واسعا وعميقاً بل قطيعة دبلوماسية لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقات بين البلدين حيث أن “الرياض” شعرت بإهانة كبرى جراء التصريحات والمواقف الشديدة التي تمسكت بها “أنقرة” طيلة الأعوام الثلاثة الماضية، وتحركاتها ومحاولتها المضنية لمحاسبتها قانونياً سواء على أرضها أو على المستوى الدولي.

واضح أن “الرياض” لم تتمكن بعد من نسيان تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان الذي اعتبر أن اغتيال خاشقجي جاء من أعلى مستوى من الحكومة السعودية وهو مارأت فيه المملكة بمثابة “ابتزاز سياسي” لولي العهد محمد بن سلمان الذي تلسّن بذلك علناً في مقالة أجراها مع صحيفة “ذا اتلانتيك”، الشهر الماضي، عندما نفى هذه التهم التركية، وقال:”هذا الأمر يجرحني، ويجرح شعوري، وشعور السعوديين عموما”.

ورغم القراءة التي يضعها الكثير من الخبراء من أن إغلاق تركيا لملف خاشقجي بشكل نهائي وإحالته قانونياً إلى السعودية هو بمثابة رسالة غزل جديدةللرياض تمهد للمصالحة ويشكل فرصة لتنحية الخلافات وإصلاح العلاقات بين البلدين لكن يبدو أن “الرياض” التي لم يصدر منها أي تصريح رسمي على هذه الخطوة القضائية التركية، ما زالت مترددة ويعتريها الفتور حيال تجديد عهد الثقة بـ”أنقرة”، وطوي صفحة التوتر معها بشكل كامل لطبيعة الملفات الخلافية وربما لأنها ترى أن هذه الخطوة التركية جاءت متأخرة كثيراً (أي أنها جاءت بطلب سعودي لتطبيع العلاقات)، وقد تكون الموافقة التركية ناتجة عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها تركيا إلى جانب رؤية “أنقرة” لحقيقة انسداد الأفق الدولي أيضاً في محاسبة “الرياض”.

كل هذه الأمور تبدو وكأنها ما زالت على طاولة التقييم السعودي، ورغم كل التفاؤل لكن حتى اللحظة تبدو الأمور أكثر تعقيداً وصعوبة في قرب إحراز اختراق على غرار ما جرى مع الإمارات مؤخراً، وقد يحتاج الأمر إلى مزيد من التنازلات التركية بدليل تأجيل زيارة الرئيس أردوغان التي كان يجري الحديث عنها إلى السعودية في فبراير/شباط الماضي رغم أنه كرر في تصريحين منفصلين خلال فبراير الماضي نية بلاده باتخاذ خطوات ملموسة في الفترة القادمة لتحسين العلاقات مع السعودية.

لكن يبقى الأمر الأكيد أن الإدارة الحاكمة في السعودية هي أذكى من أن تجعل ملفاً واحداً يقف عائقاً أمام التواصل والمصالحة مع “أنقرة” في ظل حقيقة أن الوضع الإقليمي الملتهب يجعل من التقارب التركي-السعودي أمراً لا مفر منه بل خياراً استراتيجياً على المدى القريب والمتوسط في ضوء التحولات والتحديات الإقليمية والدولية الخطيرة بالتوازي مع تطورات سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في المنطقة.
وعليه، فإن الانعطاف التركية في قضية خاشقجي جنباً إلى جنب مع استمرار تحرك “أنقرة” بهذا الزخم في تبني مسار جديد لترميم العلاقات مع السعودية يمكن أن يعجل من معالجة الأزمة الراهنة ويعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي في الأسابيع والأشهر المقبلة لا سيما مع انفتاح تركيا على مبدأ تجاوز الخلافات والبناء على نقاط الاتفاق وفتح صفحة جديدة مع كل دول المنطقة.

المصادر[+]

المصادر
1 خاص- سراي بوست
Exit mobile version