هل ستنجح خطة إردوغان الجديدة بإعادة “مليون لاجئ سوري” بنسف ورقة المعارضة التي تهدد المستقبل السياسي لحزبه الحاكم
بقلم/طه عودة أوغلو /باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية[1]خاص- سراي بوست
صحيح أن مسألة اللاجئين السوريين كانت دائمة الصخب والضجيج في تركيا خصوصاً في السنوات الأربع الأخيرة في ظل تحريك المعارضة التركية لهذا الملف باستمرار واستغلاله كورقة شعبية للضغط على حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان، إلا أنها عادت اليوم من جديد إلى الواجهة لكن هذه المرة بصورة جديدة وجدية أكبر مع بدء الحكومة نفسها أيضا بمساعي إعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم بعد أن أصبحوا فعليا بمثابة “حياة أو موت سياسي” لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في يونيو/حزيران 2023، وتصاعد الأصوات الرافضة لبقاء اللاجئين السوريين حتى من داخل الحزب الحاكم نفسه وحلفائه المقربين.
لا شك أن هناك أسباب كثيرة مستحدثة من وراء تأجج المشاعر العدائية للسواد الأعظم من الأتراك تجاه السوريين، تنطلق بمعظمها من خلفيات عنصرية وأخرى اقتصادية أو تلك التي تتعلق بالتعداد السكاني للبلاد.
فكما هو معروف أن الشعب التركي، وفي بداية الثورة السورية، وبالتحديد في السنوات الخمس الأولى، هب بكل قوته لمساعدة أشقائه السوريين وأظهر التعاطف السخي في تقديم كل أنواع المساعدات والتبرعات كل حسب إمكانياته فقيرا كان أم غنيا لكن وبعد أن بدأت تركيا تمر بأزمة اقتصادية خانقة خصوصا منذ خريف عام 2018، بدأ المواطن التركي يشعر بمرارة الركود والفقر والبطالة، وبأن الوضع الاقتصادي التركي لم يعد يتحمل بالمطلق استيعاب هذا العدد الضخم من اللاجئين الذين يبلغ عددهم، بحسب الأرقام الرسمية، 3.6 مليون لاجئ سوري، حوالي 145 ألف فقط منهم يعيشون في المخيمات بينما الغالبية العظمى منتشرة في جميع أنحاء البلاد. كما وذهبت المعارضة أيضا لتصب الزيت على النار أكثر بادعائها أو بالأحرى تهويلها للوضع من أن السوريين بدءوا يشكلون بالنسبة للأجهزة الأمنية “خطرا سياسيا واجتماعيا”، وبأنهم يُعتبرون من “العناصر المزعزعة للاستقرار في البلاد من حيث إمكانية نقل جرثومة الثورة أو الفوضى من بلادهم إلى تركيا”، وأيضا ترهيبها للشعب تحت مسمى أن “السكان المحليين سيصبحون في السنوات المقبلة كأقليات في بلادهم بسبب تعاظم الوجود السوري في البلاد”، خصوصا بعد أن قامت الحكومة بتجنيس عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين ودمجهم في المجتمع التركي، وتحدثها عن دورهم الكبير في تنمية الاقتصاد التركي.
كل هذه المواقف المعادية للمعارضة التركية التي حوّلت السوريين إلى وقود حرب سياسية بغرض جمع مزيد من الأصوات في الانتخابات المقبلة، ساهمت أكثر في تغذية مشاعر الكراهية التركية ضد السوريين. ولإحقاق الحق، هذا الرفض للوجود السوري لم يقتصر فقط على المعارضة بل ذهب دولت بهشلي زعيم حزب “الحركة القومية” وهو حليف الحكومة والمقرب من الرئيس إردوغان إلى تسجيل معارضته الشديدة هو أيضا لما يعرف بـ”سياسة الباب المفتوح” التي بدأت “أنقرة” بموجبها بتطبيق “نظام حماية” يمنع ترحيل السوريين ويوجب استقبالهم في مخيمات اللاجئين وتزويدهم بالإمدادات الأساسية والتي أصبحت تركيا بسببها الدولة التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم منذ عام 2014.
بهشلي دعا الحكومة إلى التخلي عن سياسة “الباب المفتوح” والحد من أعداد اللاجئين عبر فرض العديد من الإجراءات الصعبة بحق الوجود السوري في البلاد بقوله أن “الهجرة غير النظامية للسوريين هي بمثابة غزو بلا اسم”، معتبرا أنها “مؤامرة على هيكلنا الديموغرافي ما يتوجب التحقيق في بصمات القوى الإقليمية والعالمية بهذه الهجرة غير النظامية”. بالمثل أيضا، وبحسب المسح الذي أجرته معظم مراكز الاستطلاع التركية وعلى رأسهم شركة “ميتروبول”، فإن أكثر من 70 بالمئة من الأتراك يطالبون بإغلاق الحدود في وجه اللاجئين وإعادتهم إلى بلادهم. في المقابل، يظهر المسح أيضا أن أكثر من 90 بالمئة من السوريين يرفضون العودة لبلادهم في ظل الظروف الحالية فيها.
هذا التطور الخطير من ناحية التراجع الشديد في مشاعر القبول لدى المواطنين الأتراك تجاه اللاجئين السوريين جنبا إلى جنب مع التصريحات الرافضة للوجود السوري في تركيا سواء من المعارضة أو حتى من حلفاء الحكومة بالتوازي مع ضعف ردود الفعل الدولية من ناحية تقاسم هذه الأعباء الكبيرة التي فرضتها أزمة اللاجئين، زاد من مشاكل حكومة “أنقرة” التي من الواضح أنها لم تعد قادرة على مقاومة الضغوط الشعبية والسياسية أكثر من ذلك، لتذهب بداية إلى فرض قيود أكثر صرامة على دخول وخروج السوريين للبلاد، تليها التصريحات المفاجئة من وزير الخارجية مولود جاووش بإعلانه إمكانية التعاون مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد في قضايا الإرهاب والهجرة لكن دون الاعتراف به أسوةبالسياسة التي تتبعها “أنقرة” مع حركة “طالبان”في أفغانستان، وأشار أيضا إلى إن بلاده بدأت مرحلة جديدة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بـ”بشكل طوعي وآمن” بالتعاون مع لبنان والأردن والعراق.
وقبل يومين، ذهب الرئيس إردوغان أيضا إلى إعلان خطة جديدة تستهدف إعادة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي يؤكد بأنها باتت آمنة في سوريا. وهذه الخطة الجديدة تقوم بحسب إعلان إردوغان على مشروع شامل لإعادة “مليون لاجئ سوري” على أساس طوعي بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية في 13 منطقة على رأسها أعزاز، وجرابلس، والباب، وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق، ويشمل بناء مرافق متنوعة، مثل المدارس والمستشفيات. واللافت هنا أنه على الرغم من أن حديث الرئيس إردوغان بخصوص “خطة العودة الطوعية للاجئين السوريين” ليس بجديد إلا أن طرحه بجدية أكبر في التوقيت الحالي أثار الكثير من التساؤلات لعدة أسباب، أولها أنها جاءت بعد أيام من زيارته للمملكة العربية السعودية وأيضا بعد سلسلة القرارات التدريجية التي اتخذتها الحكومة ضد الوجود السوري في البلاد. وكان آخرها منع الراغبين منهم في قضاء إجازة عيد الفطر في مناطق الشمال السوري، الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة.
ولحد الآن، لا يُعرف بالتحديد المدة الزمنية التي سيتم فيها تنفيذ مشروع “العودة الطوعية”، كما لم يكشف إردوغان أيضا عما إذا كانت الخطة تحظى بتوافق إقليمي ودولي لاسيما أن سوريا لا تزال “غير آمنة” بحسب تأكيدات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.
صحيح أن الرئيس إردوغان أكد في أكثر من مناسبة بأنه “لا تنازل عن سياستنا الأصلية بحماية حقوق المهاجرين (اللاجئين) والأنصار”، لكن وفي المحصلة،بات ولا بد على حكومة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم من إيجاد حل نهائي للأزمة السورية بأسرع ما يكون سواء من ناحية وضع حد للاستقطاب السياسي والتحرر من أعبائها الانتخابية وانتزاع ورقة الضغط الشعبي من يد المعارضة التي تعول عليها لجذب مزيد من الناخبين، وأيضا من ناحية تأمين استقرار تركيا أمنيا واقتصاديا واحتواء نزيف القاعدة الشعبية الذي بات بالفعل مقلقا بالنسبةلمستقبل الحزب الحاكم.
المصادر
↑1 | خاص- سراي بوست |
---|