
رغم الفضائح المتتالية التي طالت “فيسبوك”، متهمةً إيّاه بخداع المنظمين والتجسس على المستخدمين والتحيز العنصري، فإن أرباح شركة فيسبوك مع ذلك تتعاظم، حتى غدا مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لـ”فيسبوك”، أحد أغنى الأشخاص على هذا الكوكب.
وبحسب ما نشره موقع “marketing institute”، فإن السبب الرئيس لغنى “فيسبوك” هو جمع واستغلال الكميات الهائلة من بيانات المستخدمين وبيعها للشركات التي تستهدفهم بالإعلانات الرقمية ضمن نهج يعرف بـ”رأسمالية المراقبة”.
“فيسبوك” يتجسس على محادثات “واتساب” منذ سنوات
قبل أن يستحوذ “فيسبوك” على “واتساب”، لم يتحدث أي خبير أو شركة سيبرانية عن حدوث حالات تجسس أو اختراق للتطبيق.
بل لم يكن “واتساب” يعرف الكثير عن مستخدميه باستثناء أرقام هواتفهم، ولم يشارك أيّاً من هذه المعلومات مع أطراف ثالثة.
لكن منذ اللحظة التي أعلن فيها “فيسبوك” عن خططه لشراء “واتساب” في عام 2014، تساءل المراقبون عن كيفية أداء التطبيق تحت إدارة “فيسبوك”، خاصةً أنّ شركة “واتساب” معروفة بالتزامها الشديد بالخصوصية.
تعهد زوكربيرغ علناً في خطابٍ رئيسٍ ألقاه عام 2014، بأن “واتساب” سيبقى كما هو تماماً.
وقال حينها: “لن نغير مطلقاً الخطط المتعلقة بواتساب والطريقة التي يستخدم بها بيانات المستخدم، واتساب سيعمل بشكل مستقل تماماً”.
لكن في السادس من يناير الماضي، أعلنت الشركة أنها ستجبر المستخدمين على استخدام المعلومات مثل أرقام هواتف المستخدمين وصور الملفات الشخصية ورسائل الحالة وعناوين IP لأغراض تنظيم استهداف الإعلانات ومكافحة البريد العشوائي، ومشاركتها مع فيسبوك إذا كان المستخدمون يريدون الاستمرار في استخدام الخدمة”، مما أثار غضب المستخدمين.
وبسبب تلك الشروط التي فرضها “فيسبوك” على المستخدمين، ظهرت دعوات تنادي بمغادرة التطبيق والتوجه نحو تطبيقات مراسَلة أخرى مثل “تليغرام” و”سيغنال”.
عملية المراقبة
في الأسبوع الماضي كشف تحقيق شامل صادر عن مؤسسة “ProPublica”، وهي منظمة غير ربحية مقرها نيويورك تهدف إلى إنتاج صحافة استقصائية، أن تطبيق “واتساب” كان يراقب محتويات الدردشة سراً.
وبيّن التقرير أن تطبيق واتساب لديه أكثر من 1000 عامل متعاقد يملؤون طوابق مباني المكاتب في أوستن وتكساس ودبلن وسنغافورة.
يستخدم هؤلاء العاملون برامج خاصة لتصفح (التجسس) ملايين الرسائل الخاصة والصور ومقاطع الفيديو للمستخدمين في “واتساب”.
وقال باحث في ProPublica: “إن مراقبة المستخدمين مع التأكيد لهم أن خصوصيتهم مقدسة تجعل ذلك مهمة محرجة في واتساب”.
وردَّت شركة واتساب على ذلك بقولها: “إن العمال يمكنهم الوصول إلى مجموعة فرعية فقط من رسائل واتساب، وهي تلك التي تم الإبلاغ عنها من قِبل المستخدمين وقاموا بإعادة توجيهها تلقائياً إلى الشركة على أنها ربما تكون مسيئة”.
وأضاف: “المراجعة هي أحد عناصر عملية المراقبة الأوسع نطاقاً، حيث تقوم الشركة بمراجعة المواد غير المشفرة، وضمنها البيانات المتعلقة بالمرسل وحسابه”.
أقر كارل ووج، مدير الاتصالات في “واتساب”، بأنَّ فرق المتعاقدين في أوستن وأماكن أخرى تقوم بمراجعة رسائل “واتساب” لتحديد وإزالة “المحتوى المسيء”.
وقالت الشركة: “تطبيق واتساب شريان حياة لملايين الأشخاص حول العالم، القرارات التي نتخذها بشأن كيفية إنشاء تطبيقنا، تركز على خصوصية مستخدمينا، والحفاظ على درجة عالية من الموثوقية ومنع إساءة الاستخدام”، مشيرة إلى أن “لديها كذلك نحو 15000 مشرف يفحصون المحتوى على فيسبوك وإنستغرام”.
وبيّنت المؤسسة الصحفية أن تقريرها صدر بالاعتماد على البيانات والوثائق وعشرات المقابلات مع موظفين ومقاولين حاليين وسابقين.
وقالت “ProPublica”: “عديد من التأكيدات التي أدلى بها مشرفو المحتوى الذين يعملون لصالح واتساب يتردد صداها في شكوى سرية للمُبلغين عن المخالفات، تم تقديمها العام الماضي إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية”.
توضح الشكوى، التي حصلت عليها “ProPublica”، تفاصيل استخدام “واتساب” المكثف للمقاولين الخارجيين وأنظمة الذكاء الاصطناعي ومعلومات الحساب لفحص رسائل المستخدم والصور ومقاطع الفيديو.
وجاء في الشكوى أن ادعاءات الشركة بحماية خصوصية المستخدمين كاذبة.
الاتحاد الأوروبي
من جانبها قللت شركة فيسبوك من مقدار البيانات التي تجمعها من مستخدمي “واتساب”، وما الذي تفعله بها ومقدار مشاركتها مع سلطات إنفاذ القانون.
يذكر أنّه في مايو 2017، فرضت هيئات مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي غرامةً قدرها 110 ملايين يورو (نحو 122 مليون دولار) على الشركة؛ لادعائها كذباً قبل ثلاث سنوات، أنه سيكون من المستحيل ربط معلومات المستخدم بين “واتساب” ومجموعة تطبيقات فيسبوك.
وخلص الاتحاد الأوروبي إلى أن “فيسبوك” قد خدع المنظمين “عن قصد أو إهمال”، من جانبه أصرّ “فيسبوك” على أن تصريحاته الكاذبة في عام 2014 لم تكن مقصودة، لكنه لم يعترض على الغرامة.
وبلغ الضغط على الشركة ذروته بغرامة تاريخية بلغت قيمتها 5 مليارات دولار، فرضتها لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) في يوليو 2019؛ لانتهاك اتفاقية سابقة لحماية خصوصية المستخدم.
إضافة للتجسس.. “فيسبوك” يعترف بتحيّز خوارزمياته
في الأسبوع الماضي اعتذر “فيسبوك” عن وجود عطل في خوارزمية ذكاء اصطناعي قيل إنها كانت تصف بعض الرجال السود بأنهم “قرود”، في مقطع فيديو يعود تاريخه إلى 27 يونيو 2020، ووصفه بأنه “خطأ غير مقبول”.
وبحسب ما نقله موقع صحيفة “نيويورك تايمز” عن “فيسبوك”، فإن خبراء الشركة يعملون على التأكد من عدم حدوث سيناريو مشابه مرة أخرى.
أظهر الفيديو المعني لقطات لرجال سود شوهدوا في شجار مع بعض ضباط الشرطة البيض والمدنيين عندما ظهرت فجأةً رسالة آلية أسفل المقطع تقول: “هل تستمر في مشاهدة مقاطع فيديو عن القرود؟”.
وذكرت “نيويورك تايمز” عن داني ليفر، المتحدثة باسم “فيسبوك”، أنها أعربت عن أسفها بشأن ذلك الخطأ، وقالت: “بينما أجرينا تحسينات على الذكاء الاصطناعي لدينا، ونعلم أنه ليس مثالياً، ولدينا مزيد من التقدم الذي يتعين علينا تحقيقه، نعتذر لأي شخص قد يكون رأى هذه التوصيات المسيئة”.
وبحسب تقرير لموقع “slate” لم يكتشف “فيسبوك” المشكلة بنفسه، لكنّ دارسي غروفز، مديرة تصميم المحتوى السابقة في “فيسبوك”، قالت: “إن التعامل مع المشاكل العرقية لم يكن من أولويات قادة فيسبوك، لا يمكن أن يستمر فيسبوك في ارتكاب هذه الأخطاء ثم يقول: أنا آسف”.
مشاكل التجسس والتحيّز لم تكن الأولى من نوعها، ففي عام 2019، طلب زوكربيرغ من الموظفين التوقف عن حذف عبارة “حياة السود مهمة” واستبدالها بعبارة “كل الحياة مهمة”، في الساحة العامة بمقر الشركة في مينلو بارك بولاية كاليفورنيا.