آفاق الصناعة الدفاعية التركية؛ وانعكاساتها الإيجابية على مدّ النفوذ التركي إقليمياً وعالمياً
بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية
12-8-2022م
على مدار عقود، بذلت تركيا جهودا كبيرة لتطوير نفسها دفاعيا من خلال تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية بدلا من الاكتفاء بشرائها من الدول المصدرة، إلا أن القفزة الأكبر جاءت مع عام 2022، لتشهد معه الصناعات الدفاعية التركية تطورا نوعيا ونموا غير مسبوق في الإنتاج.
حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان التي ومنذ أن وصلت سدة الحكم قبل 20 عاما، رفعت راية “استقلال تركيا ووحدة قرارها الوطني”، ركزت وبكل قوتها على تشجيع الصناعة والإنتاج الحربي الوطني بكل أفرعته من منطلق إدراكها أن القوة الدفاعية لأي دولة تعد عاملا حاسما في تأمين وجودها والدفاع عن نفسها وفرض تأثيرها على نطاق إقليمي ودولي واسع دون الحاجة إلى الخضوع لتدخلات وإملاءات خارجية من الدول المصدرة، حليفة كانت أم منافسة، التي تحمل بيدها قرار منحها أو منعها من التسلح بحسب توجهاتها ومصالحها الخاصة؛ لا سيما أن التاريخ شاهد على أن امتلاك السلاح وتطويره يلعب دورا بارزا في صعود قوى ودول، واختفاء أخرى من المشهد السياسي العالمي.
وخلال العامين الأخيرين، رأينا كيف أن بعض التطورات السياسية والتوتر على خط “أنقرة” “واشنطن” وبعض العواصم الأوروبية أيضا، أدى إلى حرمان تركيا من الحصول على الخبرات التكنولوجية اللازمة بمجال التصنيع كانت ستكتسبها لولا إخراجها من برنامج تطوير المقاتلة (F-35)، بحجة استيرادها منظومة “أس-400” الروسية.
كذلك الأمر، حجب ألمانيا التكنولوجيا عن تركيا بسبب خلافات بين الدولتين فيما يخص التدخل بشمال سوريا، لتمنع عنها استيراد المحركات التي تستخدمها في تصنيع الدبابات المحلية.
وعلى الرغم من كل هذه التحديات والمعوقات، إلا أن إردوغان أكد أن تركيا متواصلة في تطوير منتجات منافسة والسير بخطى ثابتة نحو الاكتفاء الذاتي والاستقلال الكامل في مجال الصناعات الدفاعية، وقال أن “تركيا لم تعد تعتمد على أي دولة لتأمين ذخائرها وقنابل القاذفات الجوية بل وصلت لمرحلة الاكتفاء الذاتي من حاجة الجيش للذخائر”.
بالمثل أيضا، قال إسماعيل دمير رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية التابعة لرئاسة الجمهورية أن القطاع التصنيع والإنتاج الدفاعي يتجه بخطى ثابتة نحو الاستقلال والاعتماد على الذات، لافتا إلى أن الصناعات الدفاعية وصلت في السنوات الأخيرة إلى مستوى عالٍ في تطوير الأنظمة الدفاعية وإنتاج المنصات العسكرية، وأكد أن تركيا تحولت بفضل هذه المؤسسة إلى إحدى الدول الرائدة في بعض المجالات الدفاعية.
ولأن الرئيس إردوغان عازم ومصمم على تمكين تركيا من لعب دور إقليمي ودولي يليق بمكانتها وموقعها واسمها، شهدت البلاد في عهده تطورا دفاعيا لا مثيل له حيث سخر كل الإمكانيات المادية والبشرية والعقول الذكية في البلاد لتأسيس منظومة دفاعية وعسكرية عملاقة بإمكانيات محلية بحتة بل أسس ترسانة من القوات الجوية والبحرية والبرية لم تساهم فقط بزيادة القدرات الدفاعية للجيش التركي بشكل مؤثر، أدهش حتى أكثر الدول تطورا، بل وتوسعت أكثر لتصدر هذه المعدات والأسلحة إلى العديد من دول العالم حيث ارتفعت صادرات الأسلحة التركية بشكل ملحوظ، وعلى وجه التحديد، المركبات المدرعة والسفن والقوارب البحرية والمسيرات.
وبحسب رئاسة صناعة الدفاع (SSB)، فإن تركيا تمتلك التكنولوجيا اللازمة لتصنيع وبيع أسلحة دفاعية وهجومية متوافقة مع معايير “الناتو” وبسعر أرخص من منافسيها الدوليين، مشيرة إلى أن “الخطة الإستراتيجية 2019-2023” المنشورة في ديسمبر/كانون الأول 2019 تهدف إلى رفع حجم المبيعات السنوي لصناعة الدفاع والفضاء التركية إلى 26،9 مليار دولار أمريكي.
تركيا، وبفضل جهود الرئيس إردوغان، دخلت اليوم قائمة التنافس العالمي بالصناعات الدفاعية ذات الجودة العالية ليرتفع عدد الشركات التركية المصنفة ضمن أهم 100 شركة عالميا في تصنيف (Defense News) إلى سبع شركات مصنعة للأسلحة، فيما ارتقت شركة (Aselsan)، وهي أكبر شركة دفاعية في تركيا، إلى المرتبة 52 عالميا. ووفقا لهذا التصنيف، وصلت قيمة مبيعات الشركة إلى 2.1 مليار دولار، كما احتلت شركة (TUSAŞ)، المعروفة أيضا باسم صناعات الفضاء التركية (TAI) إلى المرتبة 48، فضلا عن إدراج الشركات BMC،Roketsan ،STM ، FNSS، Havelsan ، في قائمة أفضل 100 شركة في نفس التصنيف.
كذلك، حددت تركيا أهدافا إستراتيجية بحلول عام 2053 مثل جعل الصناعات الدفاعية التركية مستقلة بنسبة 100 بالمئة، وشغل 10 شركات تركية قائمة أكبر 100 شركة دفاعية في العالم، وزيادة قدرتها التصديرية إلى 50 مليار دولار.
وبحسب الأرقام الرسمية، صدرت تركيا منتجاتها العسكرية إلى 164 دولة حول العالم في عام 2019 فيما حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على النصيب الأكبر منها، تليها دول الإتحاد الأوروبي، والشرق الأوسط. وحصل ارتفاع كبير في صادرات الأسلحة التركية عام 2019، مقارنة بعام 2015. كما ارتفعت قيمة الطلبيات التي لا تزال في طور الإنتاج وأيضا زاد حجم الإنفاق المخصص لتطوير القطاع الصناعي العسكري. كما زادت مساهمة قطاع التصنيع العسكري برفد الاقتصاد التركي.
خلاصة الكلام؛ كان لتنّبه حكومة الرئيس إردوغان إلى ضرورة الاعتماد الذاتي على تصنيع الأسلحة، دورا سيذكره التاريخ في إثراء تركيا جيوسياسيا واقتصاديا وأمنيا وتعزيز موقعها أكثر فأكثر في معادلات صراع القوى الكبرى في العالم، بل وجعل لها “كلمة فاصلة” في المجريات الدولية، ما ضمن لها القدرة على المضي والاستمرار في أن تصبح رقما صعبا في المعادلة العالمية.