
بقلم/طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية [1]خاص لصحيفة سراي بوست
على الرغم من التموجات والتوتر المكتوم الذي شهدته العلاقات التركية-اليمنية على مدار سنين مضت إلا أن العلاقات الثنائية بدأت تنتعش تدريجيا منذ عام 2011 على مسار التعاون الثنائي في مختلف المجالات وخاصة الاقتصادية بما يستند إلى المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة التي شكلتها المواقع المتميزة والجيوستراتيجية لكلا البلدين حيث وقفت تركيا إلى جانب الحكومة الشرعية في اليمن، وأعلنت تأييدها لمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة.
واستنادا إلى هذا الموقف، كلفت القيادة التركية مراكز البحث وصنع القرار في “أنقرة” بمراجعة شاملة للموقف التركي من الأزمة اليمنية في ظل المتغيرات والظروف الراهنة. وقبل فترة، تم الحديث أن هناك موقف تركي جديد أو مبادرة في إطار التبلور حاليا يمكن أن تطلقها تركيا بالتعاون والتنسيق مع بعض الدول الخليجية لإنهاء الحرب في اليمن.
واللافت أن هذا التطور يأتي بالتزامن مع مستجدات إيجابية تشهدها العلاقات التركية مع مصر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية لإعادة تصحيح المسار مما يشير إلى أن تحركات تركية نشطة لإعادة نسج خريطة تحالفات جديدة في المنطقة.
العلاقات التركية-اليمينية.. المحددات والآفاق
لقد ظلت العلاقات التركية-اليمنية إلى حد بعيد أسيرة محددات عدة حكمت مستوياتها وطبيعتها وأثرت على التفاعل الإيجابي بين الطرفين بما لم يسمح بإحداث مزيد من التقدم في مسار تلك العلاقات لكن مسار تطوير العلاقات الجديدة بالفترة الأخيرة ركز على الجانب الاقتصادي بدرجة أساسية وترجم على أرض الواقع من خلال التوقيع على عدد من الاتفاقيات التجارية بين البلدين أهمها اتفاقية التبادل الجمركي بين البلدين والتي تعزز من التعاون وتدفق الاستثمارات والزيارات المتبادلة بين رجال المال والأعمال إلى جانب التوقيع على معاهدة إلغاء تأشيرة السفر بين البلدين.
كما لم تغفل تركيا الرسمية الجانب الإنساني والإغاثي حيث أطلقت مؤسسات الإغاثة التركية خلال العامين الماضيين عدد من الحملات الإنسانية لحث الشعب التركي على التبرع لصالح الشعب اليمني الذي يعاني من أزمة إنسانية ومعيشية طاحنة نتيجة الحرب الدائرة منذ سنوات فقد أطلقت رئاسة الشئون الدينية ووقف الديانة التركي حملة تبرعات تحمل اسم “لا تبقى صامتا حيال اليمن” وأطلقت هيئة الإغاثة التركية حملة مساعدات لإغاثة الشعب اليمني تحت شعار “اليمن ينتظر المساعدة”.
وكانت تركيا من أوائل الدول الداعمة لعملية “عاصفة الحزم” ضد ميلشيا الحوثي في شهر مارس/آذار 2015 حيث أدان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سيطرة المليشيات الحوثية وتقدمها في اليمن، وألقى باللوم على إيران لسعيها السيطرة الإقليمية على منطقة الشرق الأوسط. كما اتخذت تركيا موقفا صريحا وعلنيا ووقفت مع ثورة الشعب اليمني ضد نظام الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي لعب الدور الأكبر فيما وصل إليه اليمن حاليا.
ودافعت تركيا منذ بداية الأزمة اليمنية عن وجوب حل المشاكل عبر الطرق السلمية والحوار استنادا إلى مبدأ احترام الشرعية. وعلى الرغم من حقيقة توافق كل من تركيا والسعودية والإمارات في نفس الرؤية لليمن إلا أن الدول الثلاثة لم يتمكنوا من الاتحاد تحت مظلة واحدة ربما يعود ذلك إلى التنافس المستمر بين تركيا والسعودية على زعامة العالم السني حيث بلغ الخلاف بين الدولتين ذروته عام 2018 عندما قُتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول، ومنذ ذلك الحين تشهد العلاقات التركية-السعودية توترا علنيا.
وكانت تركيا قبل مقتل خاشقجي تتمتع بعلاقات أكثر من ممتازة مع حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المدعومة من السعودية حيث زار هادي منذ اعتلائه السلطة في عام 2012 وحتى مقتل خاشقجي، تركيا، أربع مرات. لكن بعد تراجع العلاقات التركية-السعودية؛ توترت العلاقة بين “أنقرة” وحكومة هادي.
لكن مع ذلك، هذا لم يمنع أن تركيا كانت من أوائل الدول التي قدمت الدعم للحكومة اليمنية الشرعية خلال المرحلة التي بدأت بسيطرة الحوثيين على العاصمة”صنعاء” ومؤسسات الدولة، ودافعت بشراسة عن ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل للمشكلة في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 (2015) ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والمبادرة الخليجية، والتي تعتبر بمثابة محددات راسخة بهذا الشأن.
وأخيرا..
يمكن القول أن النقلة النوعية في العلاقات التركية-اليمنية تأتي في وقت تمر فيه منطقة الشرق الأوسط بفترة تحولات هائلة مما يضع “أنقرة” ونخبها (وبالأخص السياسية) أمام مفترق طرق هام ومصيري وحاسم إذ لا يخفى على أحد أنه وإلى جانب المواقف الإنسانية لتركيا في اليمن لكن هذا البلد يحظى في نفس الوقت بأهمية كبيرة بالنسبة للاستراتيجية التركية التي تسعى إلى تأمين موطئ قدم لها في البحر الأحمر.
فمن المعروف أن امتلاك قاعدة بحرية في اليمن، سيؤهل تركيا لأن تصبح فاعلا رئيسيا في البحر الأحمر ومضيق “باب المندب” حيث تعبر الكثير من ناقلات النفط الخليجية إلى السوق العالمية. كما سيعطي تركيا نفوذا أكبر على مصر أيضا في المنطقة هذا بالإضافة إلى إمكانية استفادة تركيا من السوق اليمني الكبير لتصدير منتجاتها. في المقابل، ينظر اليمن إلى تركيا كبوابة لكسر عزلته نظرا لتمتعها بعلاقات واسعة مع أوروبا إلى جانب تصدير الغاز اليمني إليها.
بالتالي، على الرغم من كل خطوات التقارب التركية مع اليمن لكن هذه العلاقات لا تخلو من تحديات كثيرة ولعل أبرز معضلة تتمثل في وجود بعض الجهات المعادية التي لا يروق لها تطور العلاقات بين تركيا واليمن إلى جانب كيفية التعامل مع الأزمة اليمنية التي باتت ساحة للقتال والحرب بالوكالة بين إيران والدول الخليجية التي تسعى “أنقرة” اليوم إلى إصلاح علاقاتها معها.
المصادر
↑1 | خاص لصحيفة سراي بوست |
---|